محمد الجاسم ||
في كل مرة يتوغل فيها الجيش التركي في أراضي شمال العراق، تكتفي الحكومة الاتحادية العراقية إما بالصمت ،وإما بالبيانات الخجولة التي لا ترقى مطلقاً الى جسامة الحدث، بينما تتحدث البيانات الصادرة عن الحكومة البرزانية في أربيل، بطريقة توحي بأنهم ليسوا طرفاً في هذا الغزو، إنما هو شأن الحكومة الاتحادية في الدفاع عن سيادة العراق، مع العلم إن أحد أكبر أسباب تأسيس ووجود (حرس الإقليم) هو الدفاع عن أي تهديد خارجي لأراضي الإقليم في المحافظات الثلاث، أربيل والسليمانية ودهوك، لكن القيادة في أربيل تخلت عن هذه المهمة لحرس الإقليم (البيشمركة) وزجّته في حروب داخلية توسّعية عدوانية للسيطرة على مناطق خارج محافظات الإقليم الثلاث ،لغاية العملية العسكرية التي قادتها الحكومة الاتحادية في العام2017 ،وحررت فيها محافظة كركوك وبعض المناطق من المحافظات المحاددة للإقليم ،من سيطرة هذا التشكيل العسكري المتمرد على السلطات الإتحادية ،الذي يأتمر بأمرة العائلة البرزانية حصراً. وفي كل مرة يهاجم فيها الجيش التركي أهدافاً مدنية عراقية ومعسكرات وقواعد ميليشياوية تركية كردية، تختبئ في الجبال العراقية، ينبري الاتحاد الأوروبي الى التوصية للأطراف المعنية بالركون الى الحلول السلمية (للصراع)، ولم يتضح لدينا أي (صراع) هذا المقصود، وبين مَنْ ومَنْ، ذاك الذي يدعو إليه الأوربيون.
منذ تشرين أول من العام2007 والقوات التركية تتعامل مع الشريط الحدودي مع العراق وكأنه الحديقة الخلفية للإمبراطورية العثمانية الأردوغانية، وفي هذا التأريخ بدأت حرب القصف بالمدفعية وطائرات أف16 أمريكية الصنع على معسكرات وقواعد تابعة لحزب العمال الكردستاني(التركي)، ولا تتردد السلطات العسكرية والحكومية في أنقرة من الإعلان عن أن القوات الجوية التركية قصفت مواقع حزب العمال الكردستاني في العراق ،وإن الطائرات المقاتلة التركية اخترقت الأجواء العراقية لمسافة تصل إلى 50 كيلومتراً، وقصفت مرات عديدة قواعد للمتمردين، وفي هذه البيانات تؤكد السلطات التركية وقوع قتلى بالعشرات في صفوف التنظيم المسلح المعادي لأنقرة داخل العراق. إن العمليات الهجومية التي تقوم بها تركيا داخل العراق، في الأشهر الأخيرة، عادة ما تكون صولات خاطفة بأفراد قليلين، وتارة تكون عمليات سَوْقِيَّة منظمة ومدعومة بالطيران القتالي وموجعة للعدو، لإن الحزبُ الانفصاليُّ التركي قد أثخن القيادةَ في أنقرة بعدد هائل من الجراح في القوات والمعدات والمصالح العامة والخاصة، ونفّذ عدداً كبيراً من العمليات الإرهابية، داخل الأراضي التركية، أودت بحياة عسكريين ومدنيين،
في عودة خاطفة للتأريخ القريب، نرى أن الرئيس العراقي الراحل جلال اطلباني، أخبر ـ ذات مرة ـ وزير الخارجية التركي علي بابا جان في بغداد، أنه مستعد بشكل أساس لتسليم متمردي حزب العمال الكردستاني إلى تركيا، الذين كانت تركيا تطالب بهم منذ سنوات ، وبالفعل ،سلمت أنقرة الى بغداد، قائمة بحوالى مائة من أعضاء حزب العمال الكردستاني الذين انسحبوا إلى شمال العراق الكردي ، بما في ذلك القائد العسكري لحزب العمال الكردستاني مراد كاراجيلان ، ولكن بغداد ،هادنت، ورفضت تسليمهم لكونهم كرداً والرئيس العراقي كردياً. ويذكر أن الحكومة العراقية في زمن المالكي، أمرت بإغلاق مكاتب ومقار حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. أما رئيس الإقليم (سابقاً) مسعود البرزاني، فقد دعا المتمردين إلى وقف الكفاح المسلح وعدم استخدام الأراضي العراقية لشن هجمات على جيرانهم. صحيح أن هذا الموقف واضح المطلب، لكنه مليء بالمجاملات الباهتة على حساب السيادة الوطنية وسلامة المواطنين في العراق.
إن أية محاولات للإساءة الى وحدة الأراضي العراقية وهيبة السيادة الوطنية، ستنتهي يوماً بقرار من الشعب العراقي للمواجهة والمقاومة المسلحة، التي سبق وأن جربها الشعب العراقي في مواجهة الجيش الأمريكي المحتل لبلادنا، بعد أن نَفِدَ صبر الشعب جراء الإهمال المتعمد في إيجاد حل لطرد الغزاة وتحرير الأرض، لقد جربت قوى الشر والظلام كيف ان الشعب العراقي هبَّ كرجل واحد حين طلبت منه المرجعية أن يدافع عن العراق، وقد انتصر في معركته الشريفة ضد الإرهاب.. ولعلها الفرصة الأخيرة للحكومة العراقية أن تقول كلمتها إزاء هذا العدوان الغاشم للأتراك على أراضينا ومواطنينا في القرى الآمنة في شمال البلاد.
ورُبَّ قول ..أنفذُ مِنْ صَوْل..
ناصرية ـ دورتموند / ألمانيا
https://telegram.me/buratha