حسن كريم الراصد ||
مثلت الليالي العشر الاخيرة من رمضان انعطافة حادة سيقف عندها التاريخ مطولا ليروي للاجيال هذا التحول الذي حدث ببضع ايام فقط ليكسر جمود سبعين عاما مضت لم تتمكن عدة حروب للعرب مجتمعين ومنفردين من احداث ما حدث في هذه الليالي الرمضانية الفريدة .. فقد تمكنت اسرائيل وعلى مدى سبعة عقود من ايهام العقل العربي باسطورة اسرائيل التي لا تهزم وقد ختمت ذلك بأن ارضخت سبعة دول عربية بالتطبيع معها وكأن الامر انتهى ولا مجال الا لقبول اسرائيل كامر واقع وتناسي الام ومآسي شعب فلسطين وتاريخه وقدسه .. الليلة قالت غزة : قفوا .. الامر لم ينتهي بعد ومازال هنالك شوطا اضافيا لتعلنوا نهاية المباريات ..!! فصواريخ القسام الايرانية المعلمة بساخت ايران غيرت مجرى المباريات وتمكنت من حصر تل ابيب في موقع الدفاع بدل الهجوم ولاول مرة في تاريخ نشوءها .. ولهذا الامر تداعيات اجتماعية خطيرة على الشعب اليهودي الذي جاء طلبا للراحة ويحلم بالدعة والرفاه والمال والذي لن يصمد طويلا بالبقاء في مدن يقضي معظم وقته في ملاجئها .. كذلك كان لهذه الليالي الصاروخية اثر على نفوس اليهود الصهاينة بما احدث من انكسار وخيبة امل بقوة وقبب حديدية ثلاشت فاعليتها امام كم الصواريخ المطلقة وبآن واحد .. هذا بالنسبة للصراع الاسرائيلي الفلسطيني .. اما بالنسبة لايران فقد تكون هي من اختارت الزمان والذي كان اختيارا مثاليا يتلائم مع الذوق الايراني في التعامل مع الخصم بالنفس الطويل .. فامريكا اليوم منشغلة بترتيب بيتها الداخلي بعد الفوضى التي اثارها حكم ترامب والتي كادت ان تعلن ساعة التشظي والانقسام في بنية المجتمع الاميركي المتعدد الاطياف والاعراق . بعد ان تحسس بايدن الخطر المحدق بمستقبل امريكا وحاول التفرغ لاصلاح التصدع في البيت الداخلي من جديد والذي احدثه ترامب.. واول عبأ اراد ان يضعه عن كاهله هو ايران .. ايران التي استنزفت الجهد والوقت وتمكنت من كسر انف العنجهية الاميركية بحركات مدروسة بنيت على مبدأ الصبر وعدم الانجرار لما يحدده الخصم في الزمان والمكان للمواجهة . حتى قال قائل : متى ينفد صبر هؤلاء ؟؟ ومتى سيثأرون لكرامتهم بعد فاجعة مطار بغداد والتي مثلت صدمة كبيرة مازالت اثارها بادية الى اليوم .. بل شكك كثيرون بقدرتها وما تمتلك من قوة معلنة وغير معلنة .. فايران اليوم هي من ادارة المعركة بحرفية قد لا يتصورها احد . فهي من حطمت اسطورة التفوق الاسرائيلي وهي من هشمت خرافة قبتها الحديدية وهي من جربت صواريخها بفعالية ومناورة جزئية ان قلنا ان هنالك مواجهة كبيرة قادمة لا محال .. فايران اختبرت قدراتها فكانت النتائج النجاح بامتياز فاق التصور .. وايران نسفت مشاريع التطبيع بعدما ازاحت ورقة التوت عن عورات حكام العرب الذين اوهموا شعوبهم بالعجز عن مواجهة هذا المارد .. بل ان ايران وبسياسة النأي بالنفس عن المواجهة المباشرة حيرت العرب والعالم في تحديد مواقفهما المعلنة مما حدث .. فان قال الاعلام الحكومي العربي ان الصواريخ ايرانية وان الدعم ايراني فهذا وسام شرف يرغبون بالموت قبل تقليده لايران .. وان قالوا للمقاومة فهنا ستتسائل الشعوب : اذن لماذا التطبيع ان كان فصيل واحد تمكن من احداث هذا الحريق في الدولة التي قلتم انها لا تقهر ؟؟ لذلك لم نسمع اليوم احد اتهم ايران كما جرت العادة ...
اما امريكا : فقد اصدرت الخارجية بيانا كان يمثل سابقة في تعامل الحكومات الاميركية مع هذا الصراع الطويل .. فقد ادانة العنف من الجانبين وطالبتهما بالحفاظ على ارواح المدنيين .. وقد يكون بايدن والديمقراطيين قد اضمروا الشماتة بنتنياهو الذي تلقى توبيخا قبل اسابيع ابدى بايدن فيه امتعاضه من تلويح نتنياهو بشن حرب ضد ايران اذا ما اعادت الادارة الاميركية الاتفاق النووي للوجود . وهو لا ينسى اي بايدن وقوف نتياهو داعما لترامب حتى اخر لحظه قبل خروجه مهزوما من البيت الابيض . بل ان هنالك تسريبات او لنقل تكهنات توحي بأن امريكا تعلم بحركات اسرائيل للايقاع بينها وبين ايران وان الضربات الاخيرة للمصالح والمنشآت الاميركية في العراق كانت تحمل بصمات تل ابيب ولا يد لايران او الفصائل الموالية لها بذلك .. بايدن اليوم منهمكا بوضع امريكا الداخلي ومعالجةآثار التشظي الداخلي الذي افرزته نتائج الانتخابات الاخيرة وكذلك استيقاظ التنين الصيني الذي بات يمثل كارثة للاقتصاد الاميركي ولم يعد مهتما كثيرا بقضايا حلفاء امريكا في المنطقة والعالم الذي يراهم مجرد تنابلة اصبحوا عبئا على امريكا ودعمهم بات يكشف تدهورا في القيم الاميركية المعلنة التي كانت تتغنى بحقوق الانسان والعدالة والحرية للشعوب ..
واخيرا فأن امريكا وعت قبل اسرائيل ان استمرار الصراع والخصومة مع ايران لا يجدي نفعا وانها اضحت كأمر واقع تمتلك من القوة ما لا يستطيع نتنياهو استيعابه وتصديقه فضلا عن مواجهته وقد تكون الادارة الاميركية سعيدة بانهمار صواريخ القسام على تل ابيب كي تكتشف الاخيرة ان نصائح بايدن بتجنب الصراع المباشر مع ايران كان يجب الاخذ به والا فالنتيجة كانت اهانة مرغت انف نتنياهو في الوحل وقضت على مستقبله السياسي وهذا ما تريده امريكا اليوم .. اذن كان الشوط الاخير حاسما قلب الموازين وستحرص ايران على المحافظة على النتيجة وان ينتهي الامر لهذا الحد فقد تحقق الهدف وستكون اسرائيل ما بعد اواخر رمضان ليس هي ما قبله .. وستكون القدس اقرب بالنسبة للشعب الفلسطيني بعدما بعثت صواريخ السحر الامل في النفوس. واعادت صياغة التاريخ واعطت وقتا اضافيا اخر للعبة قبل صافرة النهاية !!!
https://telegram.me/buratha