خضير العواد ||
بعد موافقة منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات على اتفاقية اوسلو مع الكيان الصهيوني عام 1993 ، ودخول المنظمة الى الضفة الغربية وغزة وأصبحت القوات الأمنية الفلسطينية جزء من منظومة الأمن الإسرائيلي (نتيجة التعاون الأمني) ، أصبح تحرك القيادات الثورية الفلسطينية (الإسلامية والعلمانية) ليس سهلاً بل التهديد والاعتقال يلاحقهم في كل مكان من الأرض الفلسطينية ، ونتيجة لاتفاق أوسلو والوضع الفلسطيني الداخلي وتكاثر دول التطبيع فقَدَ المواطن العربي الأمل في تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني.
وأصبح يسير و واضعاً رأسه في الأرض نتيجة الذل والمهانة والضعف الذي يعيشه هذا المواطن ، حتى ظهور حزب الله على الساحة اللبنانية ومقاومته المسلحة للكيان الصهيوني وخطابات قياداته الثورية انطلاقا من السيد عباس الموسوي الى سيد حسن نصر الله ، هذه الخطابات الصادقة ذات الكلمات الثورية الجريئة دغدغت مشاعر المواطن العربي الذي أفتقد لمثلها من عشرات السنين.
وكانت هذه الخطابات بعد كل عملية مسلحة تقوم بها المقاومة اللبنانية ضد قوات الكيان الصهيوني تفجر مشاعر الفخر والكرامة لدى المواطن العربي الذي وجد كرامته الضائعة وعزه التائه ما بين كلمات وصرخات سادة المقاومة سيد عباس وسيد نصر الله ، حتى أصبحت خطابات السيد نصر الله تسيطر على الشارع العربي بجميع طوائفه وأديانه وأصبح هذا السيد القدوة التي يجب أن يحتذى بها من قبل جميع الشباب العربي .
اي أصبح حزب الله وعملياته البطولية الناجحة بعد أن فشلت جميع الحكومات العربي على مواجهة حكومة الكيان الصهيوني ورفعت راية الذل والخنوع تحت عنوان التطبيع والسلام مع هذا الكيان الغاصب أمل الامة في تحقيق الإنتصار بعد ان كاد يضمحل هذا الأمل من قواميس عقول الشباب العربي ، وبعد انسحاب الكيان الصهيوني تحت ضغط قوة المقاومة اللبانية الإسلامية من الجنوب اللبناني عام 2000 وهذه اول مرة ينسحب الكيان الصهيوني من أراضي عربية بالقوة وانتصارات حزب الله في حرب 2006 عزز روح الإنتصار التي كانت مفقودة لدى المواطن العربي.
وأصبحت صورة سيد حسن نصر الله ترفع بيد الشباب العربي في أغلب شوارع العواصم العربية ، هذه الانتصارات الباهرة أعادة الروح الثورية لدى المواطن العربي بعد أن دمرها الإعلام الغربي والعربي التطبيعي وانهزامية حكام العرب وخيانتهم لقضيتهم المركزية فلسطين ، هذه الثقافة الثورية التي ضربت الشارع العربي وأقلقت حكومات البدو وجميع الحكومات المتخاذلة معها بالإضافة الى قلق الأمريكيين وحكومة الكيان الصهيوني ، فبدأت حكومات البدو العربي بتنفيذ مخطط خبيث لتدمير وتشتيت الشعوب العربية من جديد من خلال الحرب الطائفية المقيتة ، وكانت الانطلاقة الحقيقية لهذا المخطط الخبيث بعد سقوط صنم المجرم صدام عام 2003 ودخول القاعدة ذات الفكر الوهابي التكفيري الى العراق تحت عنوان مقاومة المحتل والدفاع عن أهل السنة من الشيعة الروافض.
وبعد عام 2003 توجه الإعلام الوهابي ووعاظ السلاطين لدفع الشباب للقتال في العراق ضد الروافض الشيعة ، واشتدت الحرب الطائفية في العراق عامي 2005-2006 وبدأت تجذب هذه الحرب الطائفية اهتمام الشباب العربي تدريجياً من جبهة المقاومة الثورية ضد الكيان الصهيوني ، ودعمت حكومات الخليج هذا المخطط مالياً وإعلاميا وفتحت كل أبواب الدعم أمام مؤسسات التكفير الوهابية وفتحت العنان لهم وسهلت كل الصعاب امامهم من أجل غسل عقول الشباب العربي وإعادته الى زمن الذل والخنوع والإنبطاحية.
وكانت قمة الضربة القاضية للمشروع الثوري العربي والإسلامي خلال انطلاق بما يسمى الربيع العربي عام 2011 ودفع الأخوان المسلمين لقيادة الساحة العربية ليواجه التواجد المتنامي للوجود الشيعي الثوري الداعم لتحرير فلسطين وبالفعل قاد إخوان المسلمين الثورة في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا ولم يدخل الربيع العربي الحدود الخليجية قط ؟؟؟؟ بل دخل فقط الدول العربية التي شعوبها تتجه بوصلتها الى فلسطين .
وخلال محنة الربيع العربي أصبح الصراع الطائفي هو المسيطر على الساحة العربية بل وصل الصراع الى قوى المقاومة نفسها بعد أن اشتركت حماس في الأحداث السورية ضد الحكومة بالإضافة الى مقاتلة حزب الله على الحدود اللبنانية وكذلك في سوريا ، وأصبح الخطاب الطائفي الذي تدعمه الدوائر الغربية والصهيونية وحكام بدو الخليج هو المسيطر على الشارع العربي.
ومع تنامي هذا الخطاب أنطلق صراع جديد ما بين إخوان المسلمين وقطر وتركيا من جهة والوهابية التي يدعمها حكام الخليج ( السعودية والإمارات) من جهة أخرى وخصوصاً بعد الإنقلاب على إخوان المسلمين وتنحية المرسي في مصر وصعود السيسي الى قيادة مصر عام 2013 ، وأصبحت خريطة المقاومة الثورية العربية مشتتة ما بين الدفاع عن مشروعها الثوري ولكن هذه المرة في ساحات الدول العربية التي كادت قوى التكفير المتنامية التي جُمعت من جميع بقاع المعمورة بفتاوى وهابية تكفيرية وأموال خليجية وإعلام عربي تطبيعي وغربي وتسهيلات صهيونية امريكية ان تسيطر على حكم العراق وسوريا ولبنان لولا وجود هذه المقاومة الثورية المدعومة بشكل قوي مادياً و إعلاميا وعسكرياً من جهة واحدة فقط هي إيران.
وأما القوى الثورية الفلسطينية في غزة فقد حاصرتها الدول العربية من جميع الجهات وقطعت عنها جميع المساعدات تحت ذريعة ارتباطها بتنظيم إخوان المسلمين ، ومع هذه الخريطة الجديدة لساحة المقاومة الثورية العربية طُرح عنوان التطبيع بشكل قوي إعلامياً وسياسياً واقتصاديا مع دعم بشكل غير متوقع مشروع التكفير من أجل تغير بوصلة الصراع العربي من فلسطين الى إيران ونجحوا في ذلك.
ومن ثمار هذا النجاح طرح مشروع صفقة القرن عام 2019 من قبل كوشنر وإنهاء القضية الفلسطينية والى الأبد ، وبدأت بوادر تطبيق هذه الصفقة الانهزامية الخبيثة من خلال تطبيع دول الخليج مع الكيان الصهيوني ( الإمارات والبحرين بالإضافة الى عمان) ونقل مقرات سفارات بعض الدول وفي مقدمتها أمريكا الى القدس .
ومع الحصار المطبق على غزة كانت إيران تحاول دعم المقاومة الثورية بجميع توجهاتها الإسلامية والعلمانية مادياً وعسكرياً وإعلامياً مع عدم النظر أو الإهتمام بالاختلاف الطائفي أو الأخطاء التي وقعت فيها حماس وباق الفصائل الفلسطينية في أحداث الربيع العربي الطائفية ، وكان المسيران يسيران بطريقان متوازيان المسار التطبيعي الخياني الذي تقوده السعودية الوهابية والإمارات ومسار المقاومة الثورية الذي تقوده إيران وأصبح المساران في قمم النضوج ولحظة التصادم يجب ان تحدث.
وبالفعل حدثت هذه اللحظة بتاريخ 6/5/2021 في معركة سيف القدس ( بعد أحداث حي الشيخ جراح التعسفية والتعدي على المسجد الأقصى من قبل الشرطة الصهيونية والمستوطنين اليهود ) التي أمطرت بها قوات المقاومة المتواجدة في غزة وفي مقدمتها حماس والجهاد الإسلامي مدن الاحتلال الصهيوني كافة ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني أن يقابل الصاروخ بالصاروخ والقنبلة بالقنبلة.
ولم تقاوم حكومة الاحتلال هذه الصواريخ إلا بضعة ايام حتى رفعت راية الاستسلام وطلب توقف المعركة مع تلبية كل شروط المقاومة الفلسطينية ، هذه الصواريخ الغزاوية الإيرانية لم تكسر هيبة العدو الصهيوني فقط بل أعادة للشعوب العربية هيبتها وعنفوانها وعزتها ، وقبل ان تكسر هذه الصواريخ الهيبة الصهيونية حطمت المخطط التكفيري الوهابي الصهيوني الذي خططت له الدوائر الصهيو امريكية ودعمته ونفذته حكومتي السعودية والإمارات في الساحة العربية والإسلامية من أجل تفريق كلمة العرب والمسلمين وإضعافهم وجعلهم غير قادرين على مواجهة العدو الصهيوني ومن ثم استحالت تحرير الأرض الفلسطينية من هذا الاحتلال ، فكانت معركة سيف القدس بحق السيف الوحدوي الذي قصم ظهر المخطط الوهابي التكفيري والى الأبد .
https://telegram.me/buratha