محمد الجاسم ||
في مقارنة موضوعية، استناداً الى تأريخ الشرق الأوسط المعاصر، نرى ان الشاه محمد رضا بهلوي حاول أن يجعل إيران القوة الرائدة الحديثة في الشرق الأوسط، وكانت أحلامه الديكتاتورية مستندة إلى الدعم اللامحدود من قبل الاستكبار العالمي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها إسرائيل. كان الملك الإيراني يتخذ القرارات بمفرده، أما أولئك الذين يناقضونه ويحتجون عليه فهم مدانون ومضطهدون. حتى أصبح القمع أرضاً خصبة لتزايد نزوع الشعب الإيراني نحو الحرية والانعتاق. إن العمل على تحرير إيران من قمع جهاز الأمن الشاهنشاهي الوحشي (سافاك)، في نهاية العام 1978، كان قد أعدَّ له الليبراليون واليساريون والبرجوازيون والمحافظون، لكنهم لم يتمكنوا من كسب الجماهير الغفيرة الى جانبهم، كما جلبهم الإمام الخميني(رض) بشعاراته الإسلامية والمدنية على السواء، وإن شئنا أو أبينا، ما استطعنا سوى القول، إن الثورة قادها رجال الدين، وكان على رأس رجال الدين، الذين أسقطوا نظام الشاه، في العام1979 ، الإمام روح الله الخميني(رض) ذي السبع والسبعين سنةً من العمر.
لقد عانى الشعب الإيراني برمته من مصادرة الحريات في الرأي والصحافة وفقدان حكم القانون وعدم المساءلة وغياب الانتخابات، لقد كان بدل ذلك كله، ثمة سجون لأتفه الأسباب، ما وفّر الدعائم الموضوعية لإقامة الثورة الشعبية العارمة التي قادها الإمام الخميني(رض).
ولد روح الله الموسوي الخميني(رض) في بلدة (خمين) الصغيرة في العام 1902 لأب فقيه في الدين، وفي سن السادسة عشرة بدأ التدريب والإعداد الذاتي لتكوين شخصيته العلمائية المبكرة. وفي الرابعة والثلاثين من عمره الشريف، أصبح فقيهاً وبلقب علمي (آية الله). في وقت مبكر، سار الخميني(رض) في مسار المواجهة مع نظام الشاه الحاكم ، ودعا الى نزع أية شرعية لذلك النظام الاستبدادي. لقد دعا الجماهير الى إقامة دولة إسلامية تؤمِّن حقوق الجميع، حسب أفكاره ،و وفق فهمه الديني الإسلامي لقيادة المجتمع، وسبق له (رض) قد دعا في العام 1963 إلى انتفاضة في مدينة قم المقدسة، اعتُقل إثرَها ، وحُكِم عليه بالإعدام ، ثم بعد ذلك استُبْدِلَ حكم الإعدام بالنفي خارج وطنه وترحيله إلى تركيا. ومن هناك سُمح له بالذهاب إلى مدينة النجف الأشرف في العراق، ليعمل في المجال الإسلامي. وكانت فرصة مؤاتية له أن يواصل من النجف معارضة الحكم في طهران. لكن ذلك لم يَرُقْ للسلطات البعثية في العراق آنئذٍ، ففي العام 1978 ، وبالتنسيق بين شاه إيران وديكتاتور العراق، جرى ترحيل الإمام الخميني(رض) إلى فرنسا ، ما مكَّنه من استثمار فرصته المناسبة من الاتصال بالصحافة العالمية، ونشر قضية شبعه بشكل واسع. في غضون أشهر، أصبح آية الله السيد الخميني(رض) الشخصية الرائدة في الحركة الثورية في إيران، على الصعيد العالمي.
كان آية الله الخميني (رض) ـ عملياً ـ هو زعيم المعارضة الشعبية الإيرانية بأكملها. لقد كان زعيما وطنياً على مستوى البلاد ، ليس فقط بالنسبة للمتديّنين، بل والماركسيون الذين اجتذبتهم مواقفه المعادية للإمبريالية والعلمانيون والليبراليون، بسبب موقفه الصلب المناهض للديكتاتورية المتمثلة بنظام الشاه .
كان الخميني صادقاً جداً ، ولم يُخْفِ آراءه أبداً ، وكان عرضُه الشجاع آليةَ النظام الإسلامي الجديد في إيران، قد حسمت الخلاف داخل الطبقة السياسية المتباينة التي تصدت لقيادة الثورة بعد انتصارها، لقد أوضح دائماً في كُتُبِهِ وخُطَبِه ما يؤمن به. لذا نجح (قدس) في إقامة نظام حكم عادل وإنساني وقويّ، لدرجة أن أعداء إيران والإسلام من الدول الاستكبارية جرّبت وسائل التركيع كلها فلم تُفلِح في إسقاط إيران الإسلام.
توفي في طهران في الثالث من حزيران العام 1989، بسبب مضاعفات مرض السرطان الذي ابتلي به الإمام الراحل قبل عشر سنين في منفاه في النجف الأشرف..وبقدرة سماوية أوقف الله تعالى تداعيات المرض عن إنهاء حياته الشريفة،حتى تمكن (قدس سره) من إنجاح إقامة النظام الإسلامي،وتثبيت دعائمه، الإقتصادية والسياسية والعسكرية ، ما أدى الى ان تصمد إيران لمدة ثماني سنين بوجه الغزو الصدامي البغيض ،وافتعال حرب ظالمة ،بمساعدة الأمريكان ودول الاستكبار الأخرى وأعراب الخليج الأجلاف، وكأن الإرادة الإلهية قد أحكمت حكمتها ،وسمحت للإمام في هذا الوقت ان يلتحق بربِّه، وهو أبيض الوجه، وبريء الذمة، مما أراده الله منه تجاه بلده والأمة الإسلامية.
ورُبَّ قَوْل..أنفذُ مِنْ صَوْل !
بغداد ـ العراق
03/06/2021
https://telegram.me/buratha