محمد الكعبي ||
الحديث عن فضل العلم والعلماء حديث طويل وعريض ولا يمكن طرحه بصورة موسعة ومفصلة في هذا المقال، وإنما نكتفي بشيء مختصر ليكون بوسع الجميع الاطلاع عليه والاستفادة منه في حياتهم العلمية.
المتأمل في كتب التاريخ وسُير العلماء يخرج بالكثير من الفوائد ويكتسب جملة من العبر والعظات والكنوز والحكم بشتى أنواعها وأصنافها العقدية والفقهية والحديثية واللغوية والتربوية وغيرها من أصناف العلوم والمعارف، فهذه السُير هي التي تبعث في نفوس الراغبين لطلب العلم من الشباب الشوق وتعلمهم وتعطيهم الهمة العالية،بل وتصبرهم على ما بهذا الطريق الشاق الطويل من متاعب ومصاعب وجهد لا بد أن يبذل في سبيل تحصيل المراد والمرجو والمطلوب،
ففي الحديث عن فضل العلم والعلماء فوائد جمة نحن نصبو إليها من خلال كتابتنا لهذه الأسطر فأنه يغرس في القلوب الفضائل ويشعل في النفوس علو الهمة وهذا واضح وجلي من كتاب الله الكريم كقوله تعالى{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} فالقارئ يعتبر ويهتدي ويقتدي حينما يتأمل بما هو موجود من آيات الكتاب الكريم ومن أحاديث النبي والأئمة الأطهار(صلوات الله عليهم اجمعين)
ولما كانت فوائد العلم أكثر من أن تُحصر وأشهر من أن تُذكر أمر الله العباد بالتعلم، وأمر اشرف الخلق نبيه وحبيبه محمد(صلى الله عليه واله وسلم) بالاستزادة من العلم فقد قال الله تعالى{ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} وقد جاء عن النبي(صلى الله عليه واله) إذا كان يوم القيامة وزن مداد العلماء بدماء الشهداء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء، وطبعا ذلك لما للعلماء من اثر على ألأمة فلولا العلماء ما كان الشهداء ولولا المداد ما كانت الدماء فالشهيد شهيد على الحق،ولا يعرف الحق إلا من خلال العلم والعلماء،فالجاهل يقود إلى الباطل والضلال والانحراف،والعالم يقود إلى الحق والبصيرة والاستقامة،وهذا ما يصنعه العالم الإلهي الرباني ليس إلا...
وقد ورد أيضا في طلب العلم وأهميته عن سلسة الأئمة الأطهار(عليهم السلام) عن النبي الأكرم(صلى الله عليه واله)يقول: (طلب العلم فريضة على كل مسلم، فاطلبوا العلم من مظانه، و اقتبسوه من أهله، فإن تعليمه لله حسنة، و طلبه عبادة، و المذاكرة فيه تسبيح،و العمل به جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة إلى الله تعالى، لأنه معالم الحلال و الحرام، ومنار سبيل الجنة،والمؤنس في الوحشة، و الصاحب في الغربة والوحدة، و المحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواما ويجعلهم في الخير قادة) وفي مفردات هذه الرواية الشريفة معانٍ كثيرة نحن لسنا بصدد تبيانها وشرحها،وإنما وضعناها لتبين مدى أهمية العلم والعلماء عند الله وال الله(صلوات الله عليهم اجمعين)٠
وفي نصيحة الإمام أمير المؤمنين(صلوات الله عليه) الطويلة لكميل بن زياد(رضوان الله عليه) التي نأخذ محل الحاجة منها،حيث قال : كميل بن زياد:أخذ بيدي أمير المؤمنين (عليه السلام) فأخرجني إلى الجبانة، فلما أصحر تنفس الصُّعَداء، ثم قال : (يا كميل ،إن هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها، فأحفظ عني ما أقول لك ،الناس ثلاثة: عالم رباني ،ومتعلّم على سبيل نجاة،وهمج رعاع أتباع كل ناعق ،يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ،ولم يلجئوا إلى ركن وثيق)
يا كميل ،العلم خير من المال ، العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق ، وصنيع المال يزول بزواله)
ومن هنا من كلام الإمام يعرف إمام الكلام، وكلمَا تأملَ طالبُ العلمِ بهذه الكلمات وعرف منزلة العلم والعلماء وأخبَارَهُم علِمَ مقدار ما حَظُوا بهِ من تأييد رباني وفضل إلهيّ وتوفيق سماويّ وذلك لأنهم صَدَقوا في طلب العلمِ والعملِ والدعوةِ وصَبَروا على ذلكَ{ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} ومن خلال سُير علمائنا الإعلام نعرف إن العلماء العاملون بعلمهم هم الأقرب إلى خط المعصومين (صلوات الله عليهم) لأننا نعلم ومن خلال أحاديث أهل البيت(عليهم السلام) إن العالم الذي لا يعمل بعلمه ليس بينه وبين الجاهل فرق،ونحن نقرأ في نهج البلاغة الشريف ماذا يقول أمير المؤمنين وسيد الموحدين(صلوات الله عليه): (العالم العامل بغير علمه ،كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق من جهله ،بل الحجة عليه أعظم ، والحسرة له ألزم ، وهو عند اللّه ألوم)
لان أهل العلم العاملون به، يدعون من ضلّ إلى الهدى بعلمهم وعملهم، ويصبرون منهم على الأذى،وكما قيل يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله تعالى أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، وهولاء العلماء أيها القارئ العزيز، هم الأعلام على طريق الهدى،وهم كالنجوم يُهتدى بهم وقد قال تعالى{وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ }.
وفي كلام من وصية الإمام سيد الاوصياء(صلوات الله عليه) لابنه الإمام الحسن (عليه السلام) قال له عليه السلام،
ومن جالس العلماء وقّر، ومن خالط الأنذال حقّر، لا تحتقرن عبداَ آتاه اللّه الحكمة والعلم ،فإن اللّه تعالى لم يحقّره حيث آتاه إيّاه ، والمودة أَشبك الأنساب ، لا تسترذلنّ حسب ذي العلم فإن اللّه تعالى لم يحقره حيث آتاه أشرف الأحساب ، ولا كنز أنفع من العلم ، ولا قرح سوء شرّ من الجهل ، والعلم خير من المال ، لأن العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والعلم يزكو على الإنفاق ، والمال تنقصه النفقة، والعلم حاكم ، والمال محكوم عليه ، فعليكم بطلب العلم ، فإن طلبه فريضة، وهو صلة بين الإخوان ، ودال على المروّة، وتحفة في المجالس وقد قال قائل في العلم واهله.
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهـم ....... على الهدى لمن استهدى أدلاّء
وقد كلّ امرئ ما كان يحسنه ....... والجــاهــلون لأهل العلم أعداء
ففــز بعلــم تعــش حياً به أبداً ....... الناس موتى وأهل العلم أحيـاء