المقالات

أشأم من معيوف..!

1818 2021-07-22

 

د. أمل الأسدي ||

 

 (!)

(أبو محمد) منذ الصباح يجلس أمام التلفزيون، أوشكت الجمعة  علی الانتهاء وهو مازال مشغولا بمتابعة  خبر اكتشاف الهيكل العظمي للرجل المشؤوم!!

منذ زمن بعيد كان هناك رجل مشؤوم ،يقال :إنه في اليوم الذي تبين أن أمه حامل به ، حاصرت مجموعة من الكلاب أباه واقتطعت أهم ما يبقيه علی قيد الرجولة!!

فبقي عليلا يحيا ولايعيش!!

وبعد ولادته بأيام انسكب الماء المغلي علی رجلي جدته فتوفيت علی أثر الحادث!!

وهكذا  صار الشؤم هويته، كلما رآه أحد من  الجيران هرول خائفا!!

اسمه (معيوف) وبالفعل صار معيوفا ، وظلت الأجيال تتناقل قصته كمثل وهو: أشأم من معيوف !!

الغريب أن هيكله العظمي ضخم جدا وكأنه عملاق، وجمجمته مهشمة، يبدو أنه تعرض لضربة ما!!

تقول الأسطورة: إنه عندما سمع قصة ولادته التي جلبت المصائب، وبعد أن رأی خوف الجيران منه، وفرار الأطفال منه، وكذلك النساء... فإذا رأته امرأة تعوذت بتميمةٍ وأخفت وجهها !!

بعد كل هذا صار يصطنع الشؤم، ويتفنن في إيذاء الناس وإيذاء بلدته، مع أن شكله لايعكس أي سوء؛بل علی العكس يبدو طيبا وشهما!!

ذات مرة كان يمشي قرب بيت خاله وفي مزرعتهم، ولم يكن في نيته أن يؤذيهم!

وقف يتفرج علی زوجة خاله وهي تحلب البقرة وابنها جالس قربها،امتلأ الدلو بالحليب المائل الی الصفرة لدسومته، فاندهش (معيوف) وقال : حليبها كأنه سمن!!

التفتت إليه زوجة خاله فانقلب الدلو  وساح الحليب!

ولا أدري ما الذي أغضب البقرة ودفعها لرفس  الولد الصغير !!

توفي الولد في اللحظة نفسها، والأم تركض كالمجنونة تصرخ إن بقي( معيوف) بيننا لن يبقی منا أحد!!

معيوف قتل ابني ياناس!!

غضب( معيوف ) وصرخ بأعلی صوته سأغادر  هذه البلدة كي تستريحوا! لم أعد أتحمل هذا الظلم !!

وبالفعل غادر البلدة وطويت صفحته، واستبشر جميع السكان خيرا، فبخروجه من البلدة سيزول الشؤم، وتضحك الحياة، ويرتاح الجميع، ويزداد رزقهم ويعم الأمان في بيوتهم!

(معيوف ) غادر ومضی شهر علی مغادرته إلاّ أن المصائب ازدادت ولم تتوقف!! يوم يُسرق(حلال) فلان، ويوم تُحرق مزرعة فلان،ويوم يموت ابن فلانة، ويوم ينشب عراك بين الإخوة!! وهكذا اخذت الحوادث تتوالی من غير سبب يُذكر، هل الشؤم يرافق هذه القرية وكان (معيوف) ضحيةً من ضحاياه؟

اليوم صباحا، الصراخ  والعويل خيم علی  البيوت، زوجة خال معيوف وجدوها مقتولة!! ملقاة قرب المزرعة، أحدهم ضربها بحجر كبير أنهی حياتها فورا!!

وعلی أثر هذا الحادث  انقلبت أوضاع البلدة ، فالبقرة التي اعتادت زوجة الخال حلبها حتی بعد أن رفست ابنها ، تقف قرب الجثة ولا تسمح لأحد أن يقترب منها!!

كان خوار البقرة عواءً وبكاءً مخيفا، زاد من الشؤم الملتف حول البلدة!!

اقترح الحاج (بادي) أن يذهبوا الی العرافة ويستفهموا منها. قال للناس: اسمعوا كلامي هذه المرة واذهبوا إليها!!

بالفعل ذهبوا، وحكوا لها الحكاية، فأعطتهم عباءة مصنوعة من الجلد وطلبت منهم ان يرموها علی البقرة صباحا مع طلوع الشمس!!

اجتمع الناس، والكل يترقب، (الحاج بادي)هو من سيغطي البقرة ، تقدم نحوها وغطاها بغتةً!!

وإذا بالبقرة -وكما تنقل الأسطورة- تنادي  بصوت بشري أجش: معيوف هو القاتل!!

اقتلوا معيوف!!

معيوف سبب مصائبكم!!

ومن يومها توعد خال معيوف بقتله بالطريقة نفسها التي قتل بها زوجته!!

(!!)

(أبو محمد ) بعد متابعته لخبر هذه الأسطورة انقبض صدره،وكأن الشؤم أحاط به، فتشاجر شجارا كبيرا مع زوجته، جمعت ملابسها وغادرت الی بيت أهلها، والرجل كاد يفقد السيطرة علی أعصابه فابنه (محمد) يريد أن يمتحن  في الدور الثاني، وعليه يجب أن يدفع القسط المتبقي ، ومقداره(مليونا دينار عراقي) فهو طالب في كلية الصيدلة في جامعة أهلية، ولن يسمحوا له بأداء الامتحان تحت أي ظرف من غير أن يدفع المتبقي!!

ماذا سيفعل والده والرواتب متأخرة  منذ أسبوعين؟ وضرسه يؤلمه ويجب عليه زيارة الطبيب، وزوجته غادرت المنزل بسبب  تأخر الراتب وعدم دفع المستحقات والأقساط !!

سحب أبو محمد جواله ونشر منشورا علی صفحته في الفيس بوك وهو:

أين  الراتب يا أبناء معيوف؟

من سيدفع أقساط ابني ليمتحن الدور الثاني؟

من سيدفع أجور المولدة؟

من سيدفع قسط القرض؟

أبناء معيوف، ألا توجد عرافة تنقذنا منكم؟

بعد ساعتين اقتحمت القوات بيته،وقيدوه، واقتادوه معصوب العينين الی جهة مجهولة!!

أجلسوه في غرفة شبه مظلمة، أحاطت به الوجوه الإعلامية المعروفة، فهم كانوا لسان الثورة كما يزعمون، لكنهم  أكلوا التفاحة كلها وبقشرها!!

فتح أحدهم سجلا، وقربه كاسة ماء، وقلم خشبي، يغمس القلم في الماء ويكتب!!

قال كبيرهم:اليوم سنحضر لك (معيوف)بنفسه!!

وهو الذي يقرر عقوبتك!!

ـ لم أفعل شيئا لأعاقب!!

ـ ذكرتَ معيوف، وناديتنا بأبناء معيوف علنًا، وأمام كل البشر!!

- أولا: طالبت بحقي، فأنا مواطن وموظف  والراتب حقي!

ثانيا:هذه صفحتي الشخصية وأصدقائي فقط يرون المنشور!!

ثالثا:معيوف أسطورة انتهت، ولن تعود!

وقبل أن يكمل كلامه  ضربه أحدهم علی قفاه ضربةً جعلت عينيه تتراقص!! التفت ليری من هذا الذي زلزله بضربة؟

فوجد(معيوف) ينظر إليه وحاجباه تعزفان لحن الموت!!

صُعق ( أبو محمد) الخوف سيطر عليه، شُلّ لسانه وحبس عقله!!

فقال له معيوف:

ـ إذن، تريد عرافة تخلصك مني؟

ـ لا، سيدي الرئيس، أنت لست معيوف!!

أنت رئيسنا!!

- بل أنا معيوف، وأنت من ناديت روحي واستحضرتها!!

ـ سيدي أنت رئيسنا، أنا أعرف الرئيس، هذا وجهه، ولكن جسده بالفعل جسد معيوف الضخم!!

ـ قلتُ لك : أنا معيوف

ثم تحدث أحدهم قائلا

ـ سيدي المعيوف: أنزل بحقه العقوبة التي تراها ملائمة!!

- حسنا، اخترتُ له عقوبةً تؤدبه وتريحه مدی الحياة هههههه

أبو محمد قال وهو مفزوع:

ـ دخيلك سيدي، التوبة، كلشي ما اريد!!

ـ اخترت لك ما فعلته الكلاب  بوالدي، ستبقی بلا ...هههههه

هيّا، اطرحوه أرضا وقيدوا يديه ورجليه

ـ صار سيدي، سنريه أساطير أبناء معيوف!!

وبالفعل طرحوه أرضا، وقيدوه، والدماء تملأ المكان، والعيون الجاحظة حوله، وقهقهات معيوف تهز الأرض، وصرخات (أبو محمد) خرساء بلا لسان!!

أفاق الآن، فتح عينيه بصعوبة، نشرة الأخبار تُعرَض، الرئيس يلقي خطابا، حدّق جيدا في الشاشة، فزاعة تتحدث وخلفها معيوف بالزي الكردي!!

صوتها يعلو ويعلو: نحن مفلسون مفلسون!!

انقطع التيار الكهربائي، العرق غزا (أبو محمد) والغبار غزا بطاقة الراتب!! وباتت الأحلام كوابيس الواقع!!

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك