واثق الجابري ||
لا يخلو يوم في العراق من الحديث عن الفساد المستشري، وتتعالى الدعوات لاستعادة الأموال المنهوبة، وتقديرها يفوق بناء البلد من شماله الى جنوبه، والقضاء على الفقر والعاطلين، بعد تهريب أرقام فلكية إستنزفت ميزانية العراق، ولكن الخبراء يشيرون الى وجود عراقيل قانونية وسياسية تجعل المهمة مستحيلة.
أعلن رئيس الجمهورية برهم صالح مؤخراً، عن تقديمه مشروع قانون "استرداد عوائد الفساد" إلى البرلمان، لاسترداد نحو 150 مليار دولار هربت الى الخارج بعد العام 2003م، في حين قدرت لجنة النزاهة حجم الأموال المهربة حتى الآن، ما يقارب 350 مليار دولار، وما يعادل 32% من إيرادات العراق خلال 18 عاماً.
لا توجد معادلة أو إحصائية تثبت حقيقة الأرقام المذكورة، ويذهب كثيرون الى أرقام أكبر من هذا ومنها أموال تسرق قبل دخولها الموازنة، والجهات السياسية والحكومة على معرفة بالمتورطين، وهناك حديث عن تفاوض مع بعض الجهات لإستعادة بعض الأموال لإسقاط التهم عنها، والحديث عن إستعادة الأموال جزء من دعاية لا تطبيق لها على أرض الواقع، أذ ليس من السهولة إستعادة أموال من مصارف دولية تعتمد السرية الكاملة على الحسابات، ولحد الآن لم تفلح الحكومات على إسترداد أموال مهربة من النظام السابق.
تفتقر تقديرات الأموال المنهوبة، الى المصادر والإحصاءات المالية، ولم تستند لمعلومات البنك المركزي، وحجم الموازنات وحساباتها الختامية طيلة السنوات السابقة، ولا يزال العراق يفتقر لقاعدة معلومات، عن الجهات التي سرقت هذه الأموال والدول التي تستثمر فيها، والتي تمانع أو تتغاضى عن إعطاء المعلومات، ولم تلجأ الدولة الى كبريات شركات التدقيق المالي والمحاكم الدولية، مع تعزيز الطلبات بالأدلة والوثائق.
ينقسم الفساد لعدة أصناف، من عمليات الفساد المباشر وتهريب الأموال المحصلة من الإتاوات وسرقات الموازنة، وهناك نوعٌ آخر يتمثل بالعقود والمقاولات الحكومية، التي سلمت أموالها للمتعاقدين دون تنفيذ المشاريع، فضلاً عن تضخم مبالغ العقود والرشا والابتزاز، ومن الصعوبة استعادتها، ويحتاج العراق الى فريق قانوني مُلم بالقوانين الدولية والمعاهدات وعمليات غسل الأموال، وواجب الحكومة تقديم أدلة ووثائق للدول التي هربت لها الأموال، وهذا يحتاج لتعاون دولي، مع وجود سرية العمل المصرفي الذي يمنع الوصول لأسماء وعناوين المودعين، وعشرات السنوات، في ظل إجراءات دولية بطيئة، وغير معززة بأدلة ووثائق عراقية.
إن مشروع إسترداد الأموال يتعلق بإجراءات داخلية ذات صلة بهيئة النزاهة والإدعاء العام، وخارجية تتعلق بإتفاقية غسل الأموال الأممية للعام 2005، والتي صادق عليها العراق في قانون 35 للعام 2007م، وستواجه إزدواج الجنسية، والتي تمنع حتى لو حصل العراق قراراً قضائياً أو إستعان بالشرطة الدولية الأنتربول، لكن المشكلات السياسية تعيق العملية وتضعف الحكومة، مع وجود دول لا تتعاون مع العراق بهذا الشأن، وأحزاب سياسية متورطة في تهريب الأموال ونقلها الى الخارج.
التهريب جارٍ على قدم وساق، من أحزاب وقوى لا تسمح بإقرار قوانين تسائلها، وإن تمت المعالجة داخلياً، تبقى مرحلة الجهد الدبلوماسي، والحكومة القوية في محاربة الفساد، والقوى السياسية على علم الى أين تذهب الأموال المنهوبة ومن هي الجهات المتورطة، وقد أفصحت منظمات دولية وجهات اعترفت وآلاف الملفات قدمت دون نتائج، والخطوات تبدأ من الداخل، ويمكن للعراق اللجوء الى مجلس الأمن لإستصدار قرارات تمكنه من إستعادة أموال، شريطة إكتمال التحقيقات والوثائق والأدلة، وسيوفر للحكومة إمكانية إسترداد جميع الأموال في المصارف الدولية، ولكن دون تعاون محلي وجدية في الإجراءات، ستكون المهمة مستحيلة!!
https://telegram.me/buratha