حسين فرحان ||
في حالِ جرتِ الانتخاباتُ البرلمانيةُ في موعدِها المُقرَّرِ لها أم بغيرِ موعدِها، فهل سيصدقُ عليها أنّها انتخاباتٌ مُبكِّرة؟
وهل ستُدارُ العمليةُ الانتخابيةُ بمُفوضيّةٍ مُستقلةٍ تعملُ بقانونٍ انتخابيٍ جديدٍ تمَّ تعديلُه ليُعطيَ كُلَّ ذي حقٍّ حقّه؟
هل ستكونُ الانتخاباتُ القادمةُ بمعزلٍ عن تأثيراتِ الأقطابِ الخارجيةِ المُتنازعةِ فيما بينها لتحقيقِ مكاسبَ ومغانمَ جديدةٍ في العراقِ، أو الإبقاءِ على مكاسبِها القديمةِ وديمومتها؟
هل سيُفلِحُ أبناءُ هذا الوطنِ ويوفّقون لاختيارِ من يُمثِّلُهم خيرَ تمثيلٍ دونَ أنْ يقضيَ دورتَه الانتخابيةَ خارجَ أسوارِ المجلسِ النيابي مُنشغلًا بتعويضِ ما أنفقَ على دعايتِه الانتخابيةِ، أو مُقاتلًا شرسًا في سبيلِ حرفِ اتجاهِ بوصلةِ أرباحِ الصفقاتِ لصالحِ حزبِه وتيارِه وحركته؟
هل سيتخلّى البعضُ عن عقليةِ انتخابِ فُلانٍ؛ لأنّه فلانٌ أو ابنُ فلانٍ حتى لو كانَ هذا المرشّحُ ممّن أكلَ عليه دهرُ الفشلِ والفسادِ وشرب؟
هل ستتخلّى بعضُ النفوسِ عن فِكرةِ الاكتفاءِ بما تمنحُه الأحزابُ من مصروفِ جيبٍ يستقرُّ في اليدِ شهرًا وتفرغُ منه دهرًا؟
هل ستكونُ حاضرةً في الذهنِ خلفَ صناديقِ الاقتراعِ صورُ الشُهداء.. الجرحى.. الأيتام.. الأرامل.. الحروب.. الفقر.. الوباء.. الفساد.. سوء الخدمات.. اللصوص.. المافيات.. الوجوه التي لم تجلبِ الخيرَ للبلد؟
هل ستكونُ حاضرةً عندَ تأشيرِ المُربعاتِ الصغيرةِ في استماراتِ الانتخابِ تلك اللحظاتُ التي عاشَها الإنسانُ العراقيُ وهو خائفٌ من المُتغيّرات.. قلق من مُستقبلٍ مجهولٍ مُتأزّمٍ إلى أبعدِ الحدود، وقد عانى من الإذلالِ وبذلِ ماءِ الوجهِ وهو ينظرُ لترَفِ الطبقةِ السياسيةِ الحاكمةِ التي لم تأبهْ لحالِه أ نامَ جائعًا أم لم ينَمْ؟
هل سيُفكِّرُ الإنسانُ العراقيُ البالغُ الرشيدُ -الذي منحَه رُشدُه حقَّ الانتخابِ- بآليةِ التغييرِ وكيفيةِ التغييرِ ومعاييرِ التغيير، وهل فكّرَ بالتغييرِ من أساسِه، أم أنّه سيكونُ إمّعةً من الإمّعاتِ التي تمنحً الرقم 1 لقناةِ حزبِها في جِهازِ (الستلايت)؛ لتتغذّى جيّدًا بالغذاءِ الحزبي حتى كأنَّ الثرثرةَ الحزبيةَ التي حكمتِ البلادَ طوالَ عقودٍ من الزمنِ لم تكنْ كافيةً لإشباعِ غريزةِ التحزُّب؟
هل نسعى حقًّا للإصلاح؟
وهل يُمكِنُنا ذلك مع وجودِ مائتين وخمسين حزبًا وحركةً وتيارًا قابلةً للتشظّي والتمدُّدِ والتوسُّع، كأنّها جداولُ تنبعُ من ذاتِ النهرِ، طعمُها واحدٌ ولونُها واحدٌ، لا جدوى منها إلا أنْ تجعلَ مِمّن يردّها المصداقَ لـ(طرائق قِدَدًا)؟
نحن إذن بخيرٍ؛ فلو نفدَ نفطُنا لم تنفدْ أحزابُنا!
نحنُ إذن بخيرٍ؛ فلو نالَ كُلُّ حزبٍ منها أربعةَ أعوامٍ من أعمارِنا لتطبيقِ نظريتِه وفكرِه وعبقريةِ رجالِه فإنّنا سنحتاجُ لألفِ عامٍ، وسنصبرُ على ذلك؛ فأحزابُنا تستحقُّ أنْ تُمنَحَ الوقتَ لإسعادِنا نحنُ الذين كُنّا نمتعضُ من الحزبِ الواحدِ الشمولي، فلم نرضَ إلا بمئاتِ الأحزاب بدلًا..!
نحسدُ الغربَ على ديمقراطيتِه، ونغبِطُ دولَ الجوارِ على شوارعِها وبناياتِها ونظامها، ونطمحُ أنْ نكونَ مثلَها، لكنّ ساستَنا عمدوا إلى صرفِ الأنظارِ وتعميةِ الأبصارِ عن أنْ ترى سيئاتِهم عندَ صناديقِ الاقتراع أو تذكرها..
ننشغلُ كثيرًا بآخرِ الأحداثِ والتصريحاتِ الصادرةِ من القناة رقم 1 الحزبيةِ ونأخذُها معنا لصندوقِ الاقتراع، نتذكّرُ تلك الأكاذيبَ والوعودَ البرّاقةَ وننسى أنّ آيةَ المنافقِ ثلاثةٌ، بل ننسى أنّ سبعةَ عشرة عامًا من أعمارِنا ذهبتْ أدراجَ الرياح..
ننسى كُلَّ شيءٍ؛ فلا يبقى سوى وجهِ قائدٍ ضرورةٍ جديدٍ تربطُنا به شعاراتُ حزبِه واتكاؤه على المظلوميةِ التي لا يُمثِّلُها ولا ينتمي إليها، أو وجه ذلك القريبِ الذي تربطُنا به العشيرة، أو ذلك المُتصيّد بمياهِ الطائفيةِ أو القومية.. ورغمَ أنّها وجوهٌ لم تجلبِ الخيرَ لكنّ البعضَ سيلجأُ إليها..
كثيرةٌ هي التساؤلاتُ حولَ هذه الانتخاباتِ، وكثيرةٌ هي التفاصيلُ والسيناريوهاتُ التي ستطرحُها الكياناتُ المُتنافسةُ، وكثيرةٌ هي المُغرياتُ بل والمطبّاتُ التي سيقعُ فيها البعضُ؛ ليقضوا أربعًا عجافًا قادماتٍ في مُمارسةِ الندمِ على أصولِه، وإمعان النظرِ في أكفٍّ خاليةٍ إلا من وعودٍ ذهبتْ أدراجَ الرياح..
فهل أعددنا العدة كشعب عانى الويلات من تجربة حظه مع الحزب الواحد أو من تجربته مع الاحزاب المتعددة؟
هل أعدَدْنا النُخبَ والكفاءاتِ لقيادةِ البلدِ إلى بَرِّ الأمانِ وإدراكِ ما تبقّى من فُرَصٍ ضئيلةٍ لاستعادةِ ما فقدناه؟
هل سنقفُ خلفَ صناديقِ الاقتراع وننظرُ في صورِ المُرشَّحين وفي أسمائهم فتكونُ لنا وقفةُ تأمُّلٍ مُناسبةٍ لنقولَ لهذا الفاسد أو ذاك: "مثلي لا يُبايعُ مثله"؟
نرجو أنْ نكونَ حينها بكاملِ قوانا العقليةِ دونَ أيّ تأثيراتٍ خارجية.
https://telegram.me/buratha