رجاء اليمني ||
ملحمة ولدت عن ظلمات اندست بين خفايا التاريخ واستقرائها لا ينطلق من يوم وقوعها لكنها تجسدت في عصر أبيح فيه قتل الإنسان وانتزاع مفهوم الإنسانية وأبيح فيه تحريف القرآن والتطاول على أحكام الخالق لإبادة المخلوق فانبعث الهتاف الحسيني (إنما خرجت لإصلاح أمة جدي) وانبعث نداء الإسلام ليصبح جسد الحسين قرباناً للثورة تلك التي من أراد ان يقتفي خطواتها خطوة إثر خطوة ومن أراد أن يتتبع تفاصيلها عبر الأقلام الحرة التي كتبت التاريخ وعبر الصفحات الناصعة التي سجلت تلك الحوادث تباعاً لا يكتفي بالبكاء بل ينشطر مع نفسه إثر تلك السياقات المنحرفة التي حاولت إخفاء مضامينها الناصعة ـ لقد ولد الحسين بن علي (فبكاه آدم والخليل وموسى ولعن عيسى قاتله وأمر بني إسرائيل بلعنه وقال: من أدرك أيامه فليقاتل معه فإنه كالشهيد مع الأنبياء مقبلاً غير مدبر وكأني انظر إلى بقعته وما من نبي إلا وزارها..).
ولما مرّ أمير المؤمنين بكربلاء في مسيره إلى صفين نزل فيها وأومأ بيده إلى موضع منها وقال هاهنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم، ثم أشار إلى موضعٍ آخر وقال هاهنا مهراق دمائهم، ثقل لآل محمد ينزل هاهنا..)(1).
أما الرسول محمد(ص) فقد جعل يوسع سيد الشهداء تقبيلاً وقد انفجر بالبكاء فذهلت السماء وانبرت تتساءل لم بكاؤك!؟ ليجيبها(ص) بعد أن اغرورقت عيناه بالدموع وبصوت متقطع النبرات حزناً وأسىً فقال: (تقتله الفئة الباغية من بعدي لا أنالهم الله شفاعتي)(2).
وما نريده من هذه الإستشهادات المنقولة على لسان أصحاب الضمائر الحية هو الإثبات بأن ما حصل في الواقعة لا يمثل بدايتها لكي يتم التمسك بأن العاشر من محرم موضوع للعنوان لأن العنوان امتداد مفهومي يشكل صفحات متسلسلة ابتدأت من تاريخ الولادة الحسينية وما حصل في العاشر من المحرم هو عنوان للإنبعاث الحسيني.
فالحدث الحسيني الذي تجسد في الواقعة ما هو إلا انعكاس مخبوء يحمل بين أكتافه خطايا أدراج التواريخ التي استبصرتها العصمة المحمدية وأعقبتها العصمة الإمامية ليخرج الإمام ملتهباً مدرك الموت لينطلق النداء المعفر بدمه (ع) (إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما) منتفضاً ضد خطايا تلك المسارات الصدئة وهي تقرع أبواب الضمير ولتتفجر كالبركان في شظايا الزمن عندئذٍ وفي تلك اللحظة الولود تتقرر بشاعة المخاض لتستعرض زيف القاتل وعظمة المقتول.
وثورة الحسين (ع) نبراس الثورات في العالم وتجربة غير محتكرة لطائفة أو جماعة دون جماعة على أساس أبعادها الشاملة على المستوى العالمي والإنساني والجغرافي والسياسي والإسلامي والعسكري فمعظم الثورات العالمية كانت ثورات منشؤها صراع قائم بين التسلط والفقر، بين الظالمين والمظلومين، من هنا كانت دعوة الحسين (ع) غرة على جبين الدهر لكونها لا يمكن أن تكون ذات بعد واحد وكذلك فأن مالها من الخصائص يكاد أن يجعلها نظرية لأنها اعتمدت منهج القيم الحقة في الولادة والانبعاث ـ بالإضافة إلى أنها ليست من طرازٍ واحد وشهداؤها هم نخبة ارتشفوا من رحيق الإسلام ولغة الإمامة الحقة وهذا ما جعلها سليمة في مواقفها وطاهرة في أهدافها والتزاماتها حتى مع ذروة المواجهة الدامية والبشعة التي مارسها ألد أعداء الإنسانية على وجه التاريخ.
وثورة الحسين هي منهج حياة على صفحات الدهر ليقف المظلوم أمام الظالم ويجعل وقفته سلاح ضد أعداء الأمة والإنسانية
والحسين عليه السلام حي في قلوب المؤمنين ونور من انوار الجنة هبط للأرض ليصبح المسار الذي وقعت فيه الأمة من بداية يوم السقيفة وسيظل منهج الأحرار على مر العصور