حمزة مصطفى ||
إشتهرت عندنا بعد عام 2003 عبارة "والله ما أدري" التي كثيرا مايرددها الدكتور إياد علاوي. إنقسم الناس بشأن ما إذا كان علاوي لا يدري فعلا أم إنه يدري و"يغلس"؟ الناس لاتريد أن تتسامح لأنه أحد أبرز الآباء المؤسسين للنظام السياسي لمرحلة مابعد 2003. مفردة أخرى إشتهرت في سياق خطابنا السياسي المتداول منذ عام 2014 والى اليوم هي "البعض" التي تبدو إحدى لوازم خطاب الدكتور حيدر العبادي السياسي.
في ذاكرتنا الشعبية مثل مشهور هو "اليدري يدري والمايدري كضبة عدس". للمثل قصة يعرفها كل الناس تقريبا لكنها تنطوي على دلالة هامة على صعيد توظيف "كضبة العدس" الذي حملها مابدا إنه مجرد سارق لقليل من العدس من مزرعة من يطارده وليس أن المطارد ( بكسرالراء) ضبط المطارد ( بفتح الراء) متلبسا بفعل مشين. هل تتماهى "كضبة العدس" مع "والله ما أدري"؟ خارج حقل اللغة لاتبدو هناك صلة بين الإثنين, لكن ضمن حقل اللغة يمكن الربط مجازيا. أما في حال ربطنا بين مفردة "البعض" كأن نقول "البعض يسرق" كعلامة لفعل السرقة وبين إنتاج سؤال آخر وهو .. من يقوم بهذا الفعل لتأتي الإجابة: والله ما أدري, فإن ذلك لايعني سوى إبدال الفعل المشين هو الآخر مثل "كضبة العدس"بفعل ضمن سياق التداول اللغوي يدخل خلسة مرة أو علنا مرة أخرى عبر محمولات مختلفة الى الميديا والسوشيال ميديا مرة كفعل إدانة ونقد وربما تسقيط ومرة لأغراض التسلية فقط.
ففي النهاية لا العبادي "إبتلى" بتكرارمفردة "البعض" بوصفها لازمة في خطابه السياسي, ولا علاوي إرتكب جريمة لغوية بتكرار عبارة "والله ما أدري" بوصفها إحدى علامات خطابه السياسي كذلك. لكن النظام السياسي بفاعليه المختلفين هم من مارس الإختفاء خلف ماتنهض به هذه المفردات والعبارات بوصفها ملك أصحابها وهوماساهم الإعلام في تكريسه لأنه لايفرق في الغالب بين الفعل على أرض الواقع وماترتكبه اللغة في خطابات هذا السياسي أو ذاك من لوازم أو عكازات لغوية تتحول في النهاية الى شكل من أشكال الإدانة أو تسفيه ماقدينتج عنها من ردات فعل بين الجمهور الذي يلوك بها في "السوشيال ميديا" من منطلق أنه أحد حقول المعارضة التسقيطية في الغالب.
من جهتها فإن الطبقة السياسية صارت تبحث عن ضحايا يتحملون سلسلة إخفاقاتها طوال 18 عاما. إذ طالما أن الأمر يبقى في حقل اللغة فإنه لايضر أن تستمر لعبة التعمية والإيهام طالما أن الحيز الديمقراطي لتداول مفردات ومفاهيم جديدة واسع بل لاقيود له وعليه. لنختم بما يلي: الآن ,العراقيون على أبواب إنتخابات دخلت حيز التداول بالأخبار بوصفها "مبكرة". المفارقة أن الفاعل السياسي نجح في تصدير هذا الوهم لغويا دون أن تكون له القدرة ولا الإرادة أن يحوله فعل حقيقي خارج اللغة وعلى أرض الواقع. الواقع غير اللغة. مع ذلك فإن الصراع حتى الآن لم يغادر حقل اللغة. لنحتكم الى هذا الفعل ورد الفعل "أحزاب تقول إنسحبنا, المفوضية تقول لم ينسحبوا". صراع في حقل اللغة. لنذهب الى الدستور بوصفه نموذجا لصراعنا اللغوي إن كان على مستوى الإلزام والإلتزام أو حتى مواعيد تعديله. كانت بدأت بأربعة شهور ومن ثم كرت السنوات ليصل جميع الفاعلين والمفعول بهم الى قناعة أن كل شئ في العراق بالقياس الى كمية الوهم في اللغة لمن يدري ولا يدري مجرد .. كضبة عدس.