ناجي امهز ||
بالأمس دارت دردشة بيني وبين احد العارفين ببواطن السياسة داخليا ودوليا، وقال لي ممازحا، انه اذا نجحت الحكومة بمكافحة الفساد ووقف الهدر وحل ازمة الكهرباء، لن نكون بحاجة الى فرنسا ولا لغيرها، واخشى ما اخشاه ان تكون طلبات فرنسا الشبه تعجزية، هي فقط للانسحاب والتملص من وعودها، بانها ستقف مع لبنان.
ولمن يتابع الامور بدقة يفهم ان فرنسا، كانت دائما تحاول ايجاد شريكا لها فيما يتعلق بالملف اللبناني، شرط ان يكون بإدارتها، كونها تدرك ان ازمة لبنان اكبر من قدرات الدولة الفرنسية لوحدها، خاصة ان فرنسا تعاني من مشاكل اقتصادية يضاف اليها حركة الاحتجاجات التي لم تهدا منذ شهر بسبب قرار فرض الشهادة الصحية والتطعيم الإلزامي على مقدمي الرعاية، اضافة الى ازمة الغواصات مع الولايات المتحدة الامريكية والحكومة الاسترالية، والتي على اساسها استدعت فرنسا سفيرها من واشنطن.
كما ان اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية في نيسان عام 2022، شكل ضغطا كبيرا على توقيت ماكرون الذي كان يتوقع ان يمسك بالورقة اللبنانية قبل اشهر، لكن مماطلة السياسيين اللبنانيين، ضيعت الوقت والفرصة امام ماكرون، بربح الورقة اللبنانية التي كان حتما سيستفيد منها بالانتخابات الرئاسية، مما اشعره بانه ضيع وقته سدى، وهو بحاجة لتعويض هذا الوقت واستثماره في فرنسا للفوز بالانتخابات الرئاسية الفرنسية.
ومن تابع تصريح ماكرون الاخير في ختام زيارة الرئيس ميقاتي، يلحظ مقدار التراجع الفرنسي وتعهده نحو لبنان، فالرئيس ماكرون لم يخفي انسحابه اقله مؤقتا من الملف اللبناني بتحميله المسئولية الى الساسة اللبنانيين، حيث قال: "الجميع يعرف العقبات التي عرقلت تشكيل الحكومة، والآن على هذه الأخيرة البدء سريعا بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي والعمل على مكافحة الفساد".
والرئيس ماكرون يعلم ان عملية مكافحة الفساد والاصلاحات، لا يمكن ان تبدا الا بعد الانتخابات النيابية القادمة وما ستفرزه من حكومة وانتخاب رئيس جديد للبلاد، مما يعني بان الوضع اللبناني سيراوح مكانه اقله ستة اشهر، وبحال اعيد انتخاب ماكرون ربما سيكمل ما بداه نحو لبنان، مع العلم ان ما سربته بعض وسائل الاعلام بان ماكرون مستعد لتوسط لدى دول مجلس التعاون الخليجي لمساعدة لبنان الا السعودية، هو دليل ان السعودية ابلغت ماكرون بانها لن تساعد لبنان، او ربما ان عودتها الى لبنان يجب ان تكون عبر البوابة الامريكية، مما افقد حماسة ماكرون الزخم، والجميع يعلم ان القرار الاول والاخير في مجلس التعاون الخليجي بالنسبة للبنان مرتبط بالمملكة العربية السعودية، وعلى ما يبدو ان السعودية التي اتخذت قرارات قضائية بحق الرئيس سعد الحريري، لها حسابات مختلفة عن السابق ان كان بالتحالفات او طريقة المساعدات.
وعلى ما يبدو ان الرئيس ماكرون وقع على راسه في الوحول اللبنانية والاقليمية بالشرق الاوسط، وقد تمت خديعته بأسلوب صبياني، اظهرت سطحيته بالعمل السياسي، وربما سيكون تدخله في لبنان سبب خروجه من الرئاسة الفرنسية، وخاصة ان واشنطن التي خدعت ماكرون اكثر من مرة واولها لم يكن بصفقة الغواصات الاسترالية، بل عندما اوهمته بانها معه بالملف اللبناني بينما بالحقيقة كانت عينها على ملف الترسيم البحري، وقد استفادت واشنطن من ضغط ماكرون على السياسيين لتستفيد هي بربح المساحة المتصارع عليها بين العدو الاسرائيلي وبين لبنان، والرغم من تكتم العدو الإسرائيلي على ما حصل الا انه اعلان الشركة الأميركية المختصة بالبحث عن موارد الطاقة "هاليبرتون" (Halliburton) فوزها بعطاء طرحته تل أبيب للتنقيب على الغاز في المياه الإقليمية التي تعد ساحة صراع بين لبنان والكيان الغاصب في البحر المتوسط، يعني بان امريكا هي التي اعطت الضوء الاخضر والضمانات العسكرية والسياسية والقانونية لشركة التنقيب الامريكية وايضا لحكومة العدو بان يوقعان هذه الاتفاقية، وبانه لن يحدث شيء
وقد خرج ماكرون وفرنسا من المولد لا حمص، وهو كان يتوقع ان يحصل على عقد التنقيب في بلوك البحري رقم اربعة، وجد ان امريكا سبقته للتنقيب في المساحة المتصارع عليها، بين لبنان والعدو الاسرائيلي.