د.مسعود ناجي إدريس ||
《فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ》 ( سورة الانفال ، الآية ۱) .
《إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ 》( سورة الحجرات ، الآية ۱۰ )
من أفضل الظواهر الأخلاقية في المجتمع وأكثرها تفضيلاً هو «إصلاح ذات البين». في الحياة الاجتماعية، قد يكون هناك دائمًا تعكر وانزعاج بين الناس. في بعض الأحيان قد يكون هناك خلافات بين شقيقين حول قضايا مختلفة أو قد تضعف العلاقة بين الجيران والأصدقاء لسبب ما. هنا تتمثل إحدى الواجبات الأخلاقية للآخرين في التوفيق بينهم وعدم السماح للخلافات البسيطة بالتصاعد إلى اختلافات عميقة الجذور.
أجر إصلاح ذات البين في الإسلام أعلى وأسمى من الصلاة والصوم والصدقة. في وصيته يوصي أمير المؤمنين الإمام الحسن والإمام الحسين وعمران وأبنائه الآخرين وجميع شيعته: 《اوصيكما و جميع ولدي و أهلي و من بلغه کتابي بتقوى الله و نظم أمركم و صلاح ذات بينكم ، فإني سمعت جدكما يقول : صلاح ذات البين افضل من عامة الصلاة و الصيام》 ، ( نهج البلاغة ، رسالة ٤٧ ، ص ۳۲۱ )
كما اعتبر الإمام جعفر الصادق (ص) الإصلاح بين الناس نوعًا من الصدقة: 《صدقة يحيها الله إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا و تقارب بينهم إذا تباعدوا 》 ( الکافي ، ج ۲ ، ص ۲۰۹ . )
▪︎ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
من أفضل مظاهر الأخلاق الاجتماعية في الإسلام، وأهم ما يميز أسلوب الحياة الإسلامي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ضرورة هذا المبدأ يكمن في أنه يجب أن تحب لأخيك ما تحبه لنفسك والآخرين أيضًا، ولا ينبغي للإنسان أن يكون أَنَانِيًّا في فعل المعروف ويتكبر ويرى نفسه الأفضل. على المؤمن ألا يريد الخير والفضائل لنفسه فقط ولا يرى أنه هو فقط من يتجنب المحرمات؛ بل عليه أن يحاول نشر الخير في المجتمع والعالم، والقضاء على القبح والشر أينما يراه. وفقًا لهذا الواجب، لا يمكن لأي مسلم أن يسعى فقط لمصلحته؛ بل يجب عليه دعوة الآخرين إلى الخير وإبلاغهم بالشر: <وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ> ( سورة التوبة ، الآية ۷۱ )
في هذه الآية يمكن القول إن الإيمان الحقيقي هو أن تكون هناك علاقة ودية مع المؤمنين الآخرين والاهتمام بمصيرهم، من الضروري أن نحب بعضنا البعض، ونهدي بعضنا البعض إلى الخير وننهي عن المنكر والقبيح من الأعمال، ولا بد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الصلاة وتنمية الروحانيات وطاعة الله وطاعة رسوله وأيضا أخذ بيد الضعفاء والفقراء وأخيراً فإن ثمر كل هذه الأشياء هو نزول رحمة الله.
وقد أكدت الآيات والروايات على الواجب الاجتماعي والديني والسياسي في العديد من الجوانب المختلفة والمتنوعة، وأشارت إلى أبعادها المختلفة. يعتبر سبب تفوق الأمة الإسلامية على الأمم الأخرى هو ممارسة نفس الواجب: <كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ> ( سورة آل عمران ، الآية ۱۱۰ .)
قال رسول الله (ص) :《 يا أيها الناس مُروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب لكم، وقبل أن تستغفروه فلا يغفر لكم، إن الأمر بالمعروف لا يقرب أجلاً، وإن الأحبار من اليهود، والرهبان من النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لعنهم الله على لسان أنبيائهم وعمهم البلاء》( مجمع البيان في تفسير القرآن ، فضل بن حسن الطبرسي ، ج ۱ و ۲ ، ص ٦١٤ .)
يقول علي بن أبي طالب (ع) عن المكانة الخاصة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من بين الأحكام : 《الأحياء وما أعمال البر كلها و الجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر لجي و ... افضل من ذلك كله كلمة عدل عند إمام جائر » ( نهج البلاغة ، حكمة ٣٧٤ ، ص ٤٢٩ .)...