خرجت إنجيلا ميركل من المستشارية (أعلى منصب تنفيذي في المانيا) الى شقتها المتواضعة في برلين, بينما أقتيد عبد الله حمدوك (رئيس وزراء السودان المدني) من مقر الحكومة الى الزنزانة. خبر عادي في عالمين مختلفين. عالم أول تتساوى فيه قولا وفعلا (الكرعة وأم الشعر), وعالم ثالث عشر تنتظم فيه أنواع الأوسمة والنياشين على بدلات الجنرال حميدتي. تعود ميركل الى شقتها تغسل المواعين, وتعد الطعام, تخرج الى محلات التسوق عائدة بـ "علاكة" فيها كل قيم التحضر والتمدن والتسامح لا "القيم والمبادئ والبطولة والشرف". تعود وقد أودعت في خزينة المانيا المليارات الممليرة من الودائع والأصول المالية. عبد الله حمدوك ذو الربطة الحمراء التي تليق بأكاديمي كبير قضى شطر طويل من عمره بين المنظمات الدولية ممثلا لبلاده بوجه سمح ومهارات إدارية, لم يعد الى بيته بعد عناء يوم عمل طويل في بلد خربان من الباب للمحراب. ميركل وطوال الستة عشر عاما التي قضتها في المنصب كانت تعرف متى تخرج صباحا ومتى تعود مساء. مواعيدها مثل الساعة بدء من الفطورالصباحي الذي تعده بنفسها, الى خروجها الى دار المستشارية وإنهماكها في عمل يوم طويل. هذا اليوم الطويل تقضيه في متابعات إدارية وسياسية ليس فيه مايقلق أبدا على المستوى الشخصي. كل ما يحصل في يوم عمل ميركل وبين فناجين القهوة إتصال هاتفي من بوتين, او شيان جينيغ أوترمب وقبله أوباما وبعده بايدن. جونسون في المطار, نيكولا ساركوزي ينتظر على الخط, إيمانويل ماكرون سيتصل بعد ساعة, السيسي يود أن يشكر المستشارة على جهودها في قضية سد النهضة, شينزو آبي يدعو المستشارة الى زيارة عمل الى طوكيو, حسن روحاني يوفد ظريف الى المستشارة لمتابعة ملف دول الملف النووي (الـ 5 زائد واحد) والواحد الزائد لفظا الأصيل عملا هي المانيا.. وهل يخفى القمر. يوم عمل عبد الله حمدوك معكوس تماما. حمدوك يتصل بالبنك الدولي لتخفيف الديون, وطلب القروض. حمدوك الذي كثيرا ما يضع سترته على حمالة قرب مكتبه ويتحرر قليلا من ربطة عنقه الحمراء يهاتف رئيس صندوق النقد الدولي طالبا تاجيل دفع فوائد القروض قبل 50 عاما. عليه تمشية حال السودان بين إنقلابين. كل شئ مستعجل هنا, من سد النهضة ومشاكل آبي أحمد الى قائمة طويلة من المطالب يحملها حميدتي الجنرال المنقلب على إنقلاب الجنرال عمر البشير الذي إنقلب على الصادق المهدي زوج أخت حسن الترابي بترتيب من الترابي زوج أخت الصادق المهدي. محكمة العدل الدولية التي تطالب بالبشير حيا أو ميتا الى دعوات قوى الحرية والتغيير لحمدوك أن لايتساهل مع الجنرالات خصوصا ذوي النياشين التي حصلوا عليها بسبب كتب الشكر بين كل إنقلاب ودحر إنقلاب. حمدوك لا يعرف كيف يبدأ يومه لكي يعرف كيف ينتهي.كل شئ في السودان قابل للمفاجأة بمن في ذلك إقتياد الرجل التنفيذي الأول من المكتب الى الزنزانة.. لماذا؟ لأن إرادة "الغيارى والخيرين" إقتضت "بعد التوكل على الله" وهي لازمة الإنقلابات الشهيرة في العالم الثالث عشر عمل إنقلاب تصحيحي من أجل تصحيح إنقلاب التصحيح. وسام جديد على صدر الجنرال, وحمدوك يتذكر في الزنزانة أيام .. عرسه.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha