حمزة مصطفى ||
إختفى مصطلح العالم الثالث بعد أن كان إشتهر أيام "عدم الإنحياز" لمن لايزال يتذكر من أبناء جيلي تلك الأيام ومعها الكم الهائل من المصطلحات والمفاهيم. للمتعجلين أذكر بعضها اليمين واليسار. واليسار نوعان نوع عاقل ونوع طفولي. التقدمية والرجعية, الشرق والغرب, العالم الثالث أو بلدان عدم الإنحياز, الشيوعية والرأسمالية, الإمبريالية والراديكالية, الأصالة والمعاصرة, القطيعة المعرفية وسواها. لم يكن قد نشأ بعد مفهوم واضح للسلطة وكيفية تداولها لاسيما في بلدان العالم الثالث. الإنقلابات التي يقوم بها ضباط برتبة رائد أو عقيد كحد أعلى (في أحد بلدان أفريقيا عريف قاد إنقلاب) هي المشهد المألوف جدا في ستينيات وسبعينيات وحتى ثمانينات القرن الماضي عبر ما يمكن الإصطلاح على تسميته التداول (المسلح) للسلطة.
بعد ذلك ولاسيما آواخر الثمانينات ومنذ إنقلاب الفريق عبد الرحمن سوار الذهب في السودان بدا أن الطريق أصبح سالكا لنوع من التداول السلمي للسلطة. صحيح أن إنقلابا آخر بعد ثلاث سنوات على إنقلاب سوار الذهب السلمي رتب له المفكر الإسلامي البارز الراحل حسن الترابي جثم عبره الجنرال عمرالبشير 30 عاما على صدر السودان برقصته المعروفة وعصاه التي كان "يهش" بها على كل شئ, ولعل أول من هش به عصاه هو أستاذه ومدبر إنقلابه الترابي نفسه. وفي شهادته الممتعة على العصر في برنامج الجزيرة الشهير يقول الترابي إنه حين نجح إنقلابه على صهره الصادق المهدي (الترابي متزوج من أخت الصادق المهدي) وجاء بالبشير من أحد معسكرات الجيش رئيسا فإن الذي حصل أن البشير ذهب الى قصر الرئاسة وأنا ذهبت الى السجن.
في أثيوبيا جارة السودان لعب العسكريون "شاطي باطي" بهذا البلد عبر كل أنواع مايمكن تسميته تداولا مسلحا للسلطة وهو شكل من أشكال التداول (السلبي) لا السلمي للسلطة في هذه البلاد التي وضعها سد النهضة ومشاكله على الخريطة السياسية في العالم. فحتى بعد وصول آبي أحمد الى السلطة في أثيوبا فإن محاولات الإنقلاب توالت عليه حتى بلغت ثلاثة كلها فشلت. أحمد الذي منح إستباقيا جائزة نوبل للسلام أبلى بلاء حسنا في معاركه المسلحة ضد أبناء شعبه (مقاطعة تيغراي).
ماذا يعني ذلك؟ يعني أن "سوق" نوبل للسلام قد "خرط" كما يعني أن إختفاء مصطلح العالم الثالث لايعني زوال مسبباته. فهذه الدول وأخرى غيرها في "الواق واق" لاتزال تؤمن بـالتداول "السلبي" للسلطة.