المقالات

…. ولم تكن الانتخابات مصيرية


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

لم يحصل تغير جذري في المشهد السياسي بعد اجراء الانتخابات العامة في العاشر من شهر تشرين الاول الماضي على خلاف توقعات البعض. فمازالت قواعد اللعبة كما هي، ومازالت القوى السياسية المتحكمة بالمشهد السياسي هي نفسها. نعم تغيرت اعداد نواب هذه القوى في مجلس النواب بعض الشيء، لكنه ليس تغيرا جذريا.

وهنا قد يسأل البعض: ماذا تقصد بالتغير الجذري؟

والجواب: ان اي تغير في المشهد السياسي لا يكون جذريا الا اذا تحقق امران، هما:

الامر الاول، ظهور كتلة برلمانية عابرة للمكونات، لان هذا يعني تغير القواعد المتعلقة بالتصويت، وهو امر متعلق بالسلوك الانتخابي للناخبين. مازال الناخبون يصوتون على اساس المكون وليس على اساس المواطنة. فالناخب الكردي يصوت فقط للمرشح الكردي، والناخب الشيعي يصوت للمرشح الشيعي، والناخب السني يصوت للمرشح السني. وهكذا. وهنا لا يوجه اللوم للاحزاب السياسية نفسها، وانما يوجه للناخب الدي لم يستطع ان يحرر نفسه من الانتماء للمكون، ولم يجعل انتماءه للمواطنة حاكما على ما غيره.

الامر الثاني، ظهور كتلة برلمانية "كبيرة"، تحصد ما لا يقل عن نصف عدد اعضاء المقاعد البرلمانية زائدا واحد. هناك خمس حالات لحجوم الكتل البرلمانية، هي: الكبيرة، المتوسطة، الصغيرة، الصغيرة جدا، المجهرية. وقد شرحت هذه القياسات في مقالات سابقة كما يلي:

١.  الحزب الكبير (L)  وهو الحزب الذي يملك اغلبية مطلقة مؤلفة من ١٦٦ نائبا  على الاقل. وهذا هو العدد المطلوب لمنح الثقة للحكومة.  (يكون عدد نوابه ١٦٦ فاكثر)

٢. الحزب المتوسط الحجم (M) وهو الحزب الذي يملك حوالي ثلث عدد مقاعد البرلمان اي ١٠٠ نائب، او (١٠٠- ١٦٥).

٣. الحزب الصغير (S)، الذي يملك نصف العدد المتبقي من المقاعد النيابية، اي ٣٢ مقعدا او (٣٢-٩٩).

٤. الحزب الصغير جدا (XS )، وهو الحزب الذي يملك نصف المقاعد المتبقية، اي ١٦ مقعدا او (١٦-٣١).

٥. الحزب المجهري microscopic party

وهو حزب صغير جدا جدا جدا لا يكاد يُرى بالعين السياسية المجردة في البرلمان او في الحياة السياسية عامة، وهو الحزب الذي يتراوح عدد نوابه من (١) الى (١٥) نائبا.

وبإمكان القارئ ان يطبق هذه المقاييس على عدد نواب الكتل الفائزة في الانتخابات، ليكتشف اننا لا نملك كتلة كبيرة ولا كتلة متوسطة؛ انما يوجد فقط احزاب صغيرة، واحزاب صغيرة جدا، واحزاب مجهرية. حتى التيار الصدري الذي يمثل الان لوحده الكتلة الانتخابية الاكثر عددا، فانه صغير الحجم بناء على هذه القياسات.

 وهذا يمثل تراجعا في تطور الحياة السياسية والحزبية في العراق، حيث حصل سابقا ظهور كتلة متوسطة على الاقل. واليوم نفتقد حتى الحزب المتوسط.

هذا يعني ان المجتمع العراقي مازال يعاني المزيد من الانقسامات وعدم قدرة العاملين في الحقل السياسي على التجمع في كيانات اكبر. ولو كان على الوردي موجودا لقال ان سبب ذلك هو غلبة روح البداوة على سلوك المواطن العراقي. واقصد بذلك النزعة الفردية وعدم القدرة على التجمع في كيانات اكبر، حتى وان كانت على مستوى المكون وليس على مستوى المواطنة. ولم يُشرع قانون للاحزاب يساعد على القضاء على النزعة البدوية الفردية او على الاقل التخفيف من حدتها.

بغياب هذين المتغيرين، بقي المشهد السياسي على حاله، وبقي محكوما بنفس قواعد اللعبة القديمة، وهي قواعد متخلفة لا تساعد على قيام الدولة الحضارية الحديثة؛ فالمجتمع المتحضر الحديث هو الذي ينتج الدولة الحضارية الحديثة وليس العكس. وبقاء قواعد اللعبة نفسها يجعل تشكيل الحكومة، كما كان سابقا، صعبا، ومحصورا فقط في خيار الحكومة التوافقية المشكلة على اساس المحاصصة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك