المقالات

وعي المشكلة..وعي الحل (٢)


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

بما ان جوهر المشكلة التي يواجهها المجتمع العراقي يتمثل في الخلل في المركب الحضاري ومنظومة القيم العليا الحافة بعناصره الخمسة، فان حل المشكلة يجب ان يعالج هذا الخلل. وهذا ما سوف اطلق عليه اسم "الحل الحضاري"، وهذا هو الوعي الخاص للحل الذي اقدمه للقراء. وعي الحل هو معرفة العلاج الصحيح للمشكلة.

وبناء على هذا التشخيص، يجب ان ينطلق الحل من المركب الحضاري ومنظومة القيم الحافة به، اي تفعيل المركب الحضاري على ضوء وهدي قيم عليا صالحة تضمن عدم وقوع الخلل، او تضمن علاجه اذا حصل. وهذا يعني ان الحل الحضاري سيكون على وجهين، وقائي وعلاجي.

 في الوجه الوقائي يقوم الحل بالحيلولة دون وقوع الخلل في المركب الحضاري اصلا. والحل يكون صحيحا ومجديا اذا كان قادرا على منع لو تقليل احتمالية وقوع الخلل في المركب الحضاري ومنظومة القيم العليا الحافة به. فليس المطروح هنا معالجة الخلل حين يقع، فقط، وانما توفير البيئة المناسبة لمنع وقوع الخلل اصلا ايضا. والبيئة المناسبة عنوان عريض واسع يشمل الكثير من المفردات منها القانون والمؤسسات والتربية والثقافة العامة والخدمات والادارة والعلم الخ.

اما في الوجه العلاجي، فان الحل يقوم بمعالجة الخلل في حال حصوله رغم الاجراءات الوقائية.  والعلاج هنا يكون ايضا بالاستناد الى منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري، وليس منعزلا عنها. ذلك اننا نتحدث عن كيان كبير جدا اسمه المجتمع والدولة، وهو مبني على اساس منظومة قيم عليا، واصلاح اي خلل جزئي يكون على اساس هذه المنظومة ذاتها.

كما ان الحل يتحرك على مستويين: المستوى الكلي الذي يشمل كل بناء الفرد والمجتمع والدولة، والمستوى الجزئي الذي يعالج كل مسألة بذاتها سواء في الوجه الوقائي او العلاجي. والامر كما وصفه الحديث الصحيح المروي عن النبي محمد (ص):"مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى."

ولا تقدم الاطروحات التي لم تشخص المشكلة كما فعلنا علاجا لمشكلات المجتمع بهذه الطريقة، بسبب عدم توفر الوعي الصحيح للمشكلة. لكن وعينا الحضاري لها مكننا من وضع اليد على الجانب الوقائي والعلاجي، والكلي والجزئي. وهذه النظرة تجعل من حل مشكلات الافراد والمجتمع والدولة امرا ممكنا، وتكون جهود الحل وفق هذه الرؤية مجدية ولا تتضمن اكلافا ضائعة وجهودا مهدورة.

وتقدم اطروحة الدولة الحضارية الحديثة  الحل الحضاري لمشكلات المجتمع من النواحي الاربع السابق ذكرها، بل ان الحل الحضاري يتجسد حصريا بفكرة الدولة الحضارية الحديثة؛ فمن الناحية الكلية الشمولية والوقائية فان كل منظومة او هندسة الدولة الحضارية الحديثة، وركائزها، ومؤسساتها توفر البيئة الصالحة القادرة على القضاء على/ او الحد من/ احتمالية وقوع الفساد في الدولة، اي الخلل في جانبيه البنيوي والوظيفي، وهذا ما نشاهده اليوم في الدول التي حققت درجات عالية في السلّم الحضاري. ومن الناحية الموضعية فان الدولة الحضارية الحديثة تعالج كل مشكلة بالعودة الى مواضع الخلل في المركب الحضاري التي انتجت المشكلة. وتقدم بالتالي حلولا حضارية للمشكلات القائمة.

وهذا كله لان الدولة الحضارية الحديثة هي، بالتعريف، الاطار الكلي الجامع الدي يحقق افضل اشتغال للمركب الحضاري وعناصره الخمسة في اطار منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري.  وهذا الامر يشكل بحد ذاته ضمانا وقائيا شاملا من وقوع الخلل، و يضمن علاجا صحيحا للخلل في حال وقوعه.

يتبع

ـــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك