حسين فلسطين ||
يعد الدكتور علي المؤمن أحد المفكرين والباحثين المجددين الذين يمتازون بجرأة الطرح والغوص بما هو أعمق من المعنى في أطروحاته، فغالباً ما يبتعد عن السطحية في كتاباته رغم سلاسة ما يطرحه من أفكار وآراء ينفرد بها عن أقرانه من الكتّاب والمفكرين، ليثبت في مؤلفاته ثقافة إسلامية خاصة منحته ميزة التجديد والحداثة دون أن يفرط بالثوابت الاسلامية والعقائدية والوطنية ليحتل فضاء التجديد في الفكر الإسلامي.
ولعل الجذور الدعّوية للمؤمن وثقافته "الصدرية" اهم العلل والأسباب التي قدمته بقوة في مجالات عدة أهمها:الفلسفة والسياسة والفكر فالتلميذ المجتهد للمفكر الإسلامي المعاصر والفيلسوف الفذّ اية الله العظمى محمد باقر الصدر ظل يقتفي أثر أستاذه الذي أصبح نداً مزعجاً للفكر الغربي المادي خصوصاً في فهم وتطبيق الحرية وحدودها وآثارها في الفرد والمجتمع سياسياً واقتصادياً ودينياً، من دون أن يكون تقليدياً في أطروحاته ورؤاه مع رعايته التامة والدائمة للظرفية ومواكبة الأحداث والتطورات ومراعاة العامل المتغير في شتى مجالات الحياة.
الثراء المعرفي والثقافي وموسوعية علي المؤمن جعلت مداد قلمه سبباً في ان تزخر الواحة الفكرية العربية والإسلامية بمؤلفاته فالبدء بـ(الإسلام والتجديد)
لا ينهي عطاء فكره عند حدود (تجديد الشريعة) وبالتالي فإن مسالة نضوب افكاره عند بحر (من المعاصرة إلى المستقبلية) أمراً مستحيلاً في ظل فيضه المستمر الذي يسابق سنوات عمره المعرفي والتوعوي ، ولكي لا أفسد خزينه الثقافي، ولأنني لا أرغب في أن اقضم واجتزء ثمار فكره أقف عند حدود عناوين مؤلفاته من دون أن اتجرأ لشرح نظرياته العلمية والبحثية التي تتناول كيفية التعاطي الإسلامي مع المتغيرات التي تهدف لحل إشكاليات التجديد المعاصرة من خلال بحثه في قوة الشريعة الإسلامية ومرونتها مستغلاً معنى ومفهوم وسببية "الاجتهاد الفقهي العلمي" لعلماء المسلمين ومتطلبات عمل المتهجد و في مقدمتها التحرر الفكري والأخلاقي الذين لا يتجازوا مسألة الثابت الإسلامي والإنساني، وبالتالي فإن الاجتهاد يعني تجديد الأحكام الشرعية ، كذلك فإن رؤى المؤمن في ضرورة سلوك طريق الحداثة لم تقتصر على المسائل الفقهية وتماسها مع الحياة اليومية للفرد المسلم،سواء بيان ما هو مباح وما هو محظور أم الانتقال من وإلى الاحوط وجوباً والاستحباباً ؛بل انه تناول في جزء كبير من كتاباته وجوب التجديد في الخطاب الإسلامي وترك الخطاب التقليدي الذي سارت عليه الأدبيات الحركية الاسلامية بما ينسجم مع المفاهيم العالمية الضاغطة التي فرضها الواقع كمدنية الدولة و حدود الحرية و حقوق الإنسان.
المفكر علي المؤمن من بين المفكرين المعاصرين القلائل الذين وثقوا جهودهم العلمية والبحثية مبكراً إذ كان ربيعه السادس عشر كافيا للظهور القوي والمؤثر بين أقرانه أيام النضال في حقبة الطاغية صدام علی الرغم من تزاحم الشخصيات ذات الثقل السياسي والعلمي والبحثي آنذاك،خصوصاً مع الظروف القاسية التي عاشها ولا سيما في غمرة اعتقال وإعدام وملاحقة وتهجير عدد من إخوته ورفقائه، وهو يحظى بعلاقات ثقافية واجتماعية وسياسية في لبنان وإيران والبحرين وسوريا والسودان والجزائر وتركيا ومصر ومعظم البلدان الإسلامية، فلم توقفه آلة القتل الصدامية البعثية،ولم يغتر بملذات العهد الجديد ليواجه الإقصاء والتهميش مرة أخرى بعد فسحة "الإنصاف المقنن" الذي لم يدوم لأكثر من ثلاثة اعوام وتحديدا منذ عودته إلى العراق عام ٢٠١١ وإدارته لقنوات إعلامية ومراكز بحوث ،وتقديمه العديد من النشاطات والفعاليات التي لم ترق لذوي الجذور البعثية الذين عادوا بفعل فاعل للتحكم بالمشهد الثقافي والإعلامي،ورغم كل ما تحاوله هذه الماكنة إلا أنه هزّ الساحة الإسلامية عموما، والساحة العراقية خصوصا بإصدار جديد أرسی فيه مفهوم جديد وقعّد له، ألا وهو كتابه الموسوم"علم الاجتماع الديني الشيعي"لينقش اسمه بمداد خالد علی جدار الهوية الشيعية العراقية والإسلامية عموما؛لذا صار الدكتور المؤمن ـ ومن وجهة نظري ـ المفكر الباحث،وليس الباحث المفكر!!
فهو يؤسس لكيانية الشيعة،ويرسي قواعد البنية الاجتماعية الخاصة بهم ككتلة بشرية تتسم بخصائص وصفات تميزها عن غيرها وتمنحها الفرادة والخصوصية.
https://telegram.me/buratha