الشيخ محمد الربيعي ||
إنَّ الأعياد الإسلاميّة و المسيحيّة تنطلق من عمق و احد من خلال ما يمثّله العيد في المعنى الديني الرسالي من الانفتاح على الناس كلهم و القيام بالمسؤوليّة حيالهم و حيال الحياة .
ولذلك فإنّ الفرح في الأعياد يعني فرح الاحتفال في حمل أعباء هذه المسؤوليّة و تحقيق الأمن و السلام الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي للناس كلِّهم .
و لذلك فإن الأعياد الإسلاميّة و المسيحيّة تلتقي في البُعد القيمي و الروحي الذي يمثّل الأصالة في المسيحية و الإسلام .
إنَّنا نلاحظ أنَّ الأعياد أصبحت تمثّل الفرح الماديّ في تعبيرات المحتفلين بها وفي تطلّعات التوّاقين لساعاتها و لحظاتها في الزمن .
ولكنَّ الإسلام أراد للأعياد ـ كما أرادت المسيحيّة لها ـ أن تكون محطّة من محطات القيام بالمسؤوليّة ، و أن تكون منطلقاً للتأمل على مستوى حسابات الربح و الخسارة فيما هي النتيجة في حساب العمر ، ليكون الفرح المادي حركة في الفرح الروحيّ الذي يشعر فيه الإنسان بالطمأنينة في نطاق خدمته للبشرية و قيامه بالدور المطلوب منه بلحاظ إمكاناته و طاقاته .
إنَّ عيد الفطر في المفهوم الإسلامي يمثّل محطة الاحتفال في القيام بالمسؤوليّة بعد صوم شهر رمضان ، الذي يمثل مساحة زمنية لصناعة الإرادة و التحلي بالصبر و تحسّس آلام الناس ، كما أن عيد الأضحى الذي يمثل تخليداً لمفهوم التضحية في استعداد إبراهيم ( ع ) للتضحية بولده إذا أراد الله منه ذلك... و هو ما يطل بنا على البعد الروحي و القيمي للعيد .
كما أن ميلاد السيد المسيح يطل بنا على هذه المعاني كلها ، فالسيد المسيح ( ع ) لم يكن همّه في أن يعيش الجوانب المادية على حساب رسالته للناس ، بل كان يتطلّع إلى السلام بكل أبعاده الروحية في حركة الحياة و إلى العدالة و إلى القيم الروحية التي تربط الإنسان بأخيه الإنسان.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأعياد الوطنية التي لا نحسبها تتمظهر بالطريقة الاستعراضية ، بل تكون مناسبة للتأمل و البحث في كيف نركّز استقلال البلد و كيف نحمي وحدته و نصون سلامه الداخلي...
إن الأعياد تمثّل القيمة من خلال انفتاحها على قضايا الناس وتطلعاتهم ، ولكنها تحوّلت في كثير من الممارسات إلى مناسبات للّهو و العبث و السقوط أمام زحمة التقاليد العابثة و في ساحات الغرائز المستنفرة.
إنَّ معنى الاحتفال بالسنة الميلادية أو الهجرية هو أن ننطلق لنجعل الأمة تنفتح على السنة الماضية بكلِّ الإرهاصات أو الإنجازات التي تحقّقت فيها لتخطّط للمستقبل في حركة واعية لتجاوز ما أمكن من السلبيّات و تحقيق ما أمكن من الإيجابيّات ، لنجعل البلد رائداً بين البلدان والأمة رائدة بين الأمم .
نحن لا ننكر على الناس فرحهم المادي بالعيد أو بأيِّ مناسبة يمكن أن تكون منطلقاً للتخطيط للمستقبل ، و لكن لا بدّ للفرح الماديّ أن ينجذب إلى الفرح الروحيّ في معنى المسؤوليّة الإنسانيّة و الوطنيّة لتكون المناسبة محطّة للارتفاع بالفرح الإنساني ليكون قيمة في علاقة الإنسان بالإنسان ، و لتكون العلاقة المتبادلة في التهاني و الزيارات حركة في صوغ الأمن الاجتماعي و السياسي و في الإطلالة على مستقبل واعد للوطن يفرح فيه الجميع في تجاوز المحن و الأفخاخ التي نصبها المستكبرون .
إنَّ الاستكبار العالمي الذي يمثّل العدو هو ضدّ فرح الإنسان بالإنسان أو فرح الإنسان بالحياة ، و ضدّ انفتاح الإنسان على أخيه الإنسان .
ولذلك نرى كيف يجهد المستكبرون لجعل الأعياد مناسبات لتحريك الأحزان من خلال إطلاق الفتن المذهبية و الطائفية ، و هذا ما تتحرّك فيه أمريكا في ألاعيبها الجديدة في المنطقة لنظلّ في حال طوارىء داخلية تمنعنا من التفكير في التحديات الكبرى و تجعلنا أسارى الواقع الداخلي الملتهب و المتفجّر في بلداننا ، و خصوصاً في العراق الذي تريده أمريكا نموذجاً للعنف الدامي .
إنَّنا نريد للأعياد أن تكون مناسبات تلتقي بها المذاهب و تتقارب فيها الأديان لنصنع و حدتنا في المنطقة في مواجهة الاحتلال الأمريكي و الإسرائيلي ، و لنصوغ سلامنا الداخلي وفق عنوان المحبة الذي يمثّل السيد المسيح ( ع ) و عنوان الرحمة الذي يمثّله النبي الخاتم محمد ( ص ) ، و لنتطلّع من خلال هذين العنوانين إلى السلام العالمي بسلام الإنسانيّة كلّها في علاقة الأخوة والتعاون بين كلِّ الشعوب .
اللهم احفظ الاسلام و اهله
اللهم احفظ العراق و شعبه