المقالات

العراق..وموت مختلف..! 

1657 2022-02-02

  حسين فرحان ||   تعددت أسبابه وهو واحد.. أرواح تُقبض وجنائز تُحمل لمثواها الأخير.. توارى الثرى أو تخضع لطقوس أخرى اعتادت عليها بعض شعوب الأرض.. إنه الموت الذي عرفنا أن له ألف سبب وسبب يتحتم وقوع واحد منها ليتم به ذلك الفراق الذي لا يُعرفُ أمده.  فرق كبير بين تعدد أسباب الموت وبين اجتماعها.. فرق كبير بين تناثرها في الأرض وبين أن تكون أرض بعينها راعية -بشكل يدعو للألم- لجميع أسبابه ومقدماته.. ويؤسفنا أن تكون أرضنا هي البيئة الخصبة لمقدمات رحيل الأحبة دون داع لذلك، ودون وقاية تصان بها هذه الأرواح التي غادرت وستغادر وهي تحلم بكل شيء جميل وتتمنى كل شيء جميل.  سرق اللصوص أرواحنا مثلما سرقوا أحلامنا وأموالنا، فشاع الفساد وتكسرت حتى قوارب النجاة التي كانت تنتظر الهاربين إلى أرض أخرى اجتهد رُعاتها على أن تكون أرضا للحياة لا للصوائح والنوائح والمراسم الجنائزية والثكل واليتم واكتظاظ المقابر حد اعتياد النحيب. شارع أحادي المسار تتسابق فيه الرعونة والحرص على الوصول قبل وقت الزحام تتكرر فيه محاولات اجتياز تلك الشاحنات البطيئة المحملة ببضائع دول الجوار للشعب القابع في الاستهلاك، تقابلها محاولات اجتياز للقادمين ليكون الشارع ذي المسار الواحد سببا لموت لا مبرر له. علامة مرورية لم يكتب لها أن ترى النور في مكانها لتشير إلى مدخل هذه المدينة أو تلك تكون هي الأخرى سببا في حادث ليلي وربما نهاري ترتفع به حصيلة القتلى.   حفرة في شارع أوجسرتمزقت أوصاله..  زحام شديد يعيق عملية إسعاف مريض أو إطفاء حريق.. حاجز أمني محطم سرق اللصوص هيكله وأهمل الفاسدون صيانته..  إشارة مرورية مطفأة فلا هي تخطىء ولا هي تصيب لم تجد لنفسها دورا ولم تغن عنها المجسرات والانفاق شيئا فهي بطور التخطيط منذ عشر وعشر.. سيارات بلا هوية تصنيعية ولا شهادات ضمان بجودتها لطالما تحطمت الجماجم بداخلها عند أول صدمة على طرق الموت..  مركبات دخيلة بثلاث عجلات تجوب الطرقات لتصنع الفوضى وتضيف لمشاهد الموت مشهدا آخر.. كل تلك أسباب لوداع مؤلم..  فساد منظومتنا الحاكمة منح الارهاب فرصة ليستشري فيها تارة ويتربص تارة أخرى، إنتحاريون ومفخخات وقتل على الهوية.. حقبة نالت من هذا الشعب من نالت وطالت من طالت..  تنظيمات متطرفة همها صناعة الموت.. احتلال مدن وفرض اتاوات وذبح وسبي وتهجير وفتاوى تكفير وإرهاب بكل ما تحمله الكلمة من قذارة فهي بلا معنى سوى أنها القذارة..  كهرباء متعثرة الخطى تسلب الأرواح هي الأخرى حيث الاسلاك المتناثرة من (وطنيتها ومولداتها) وخلوها من شروط الأمان التي تحفظ البشر، وكم من صريع أصابه منها صرعة وارتعاد فرائص جسد مسته مس الجن حتى ألقت به جثة هامدة..  عيارات نارية.. تخترق الجماجم لأن قانونا ورقيا أحاطت به التواقيع والأختام من كل جهة فأقام تحت شعار (ميزان العدالة) لم يطبق كما ينبغي ليوقف مهزلة الرمي العشوائي الذي تفوح منه رائحة الاستهتار في استعراضات قردة المناسبات..  جسور شاهدة على انتحار ضحايا التأزم النفسي وقلة الحيلة في بلد قلت فيه حيلة شعبه وعجز عن تغيير واقعه الذي أملته عليه تلك القوى السياسية فإذا بضغط الحياة وضعف الإيمان يجتمعان مع استهتار الساسة بمقدرات الشعب لتكون النتيجة انتحار شاب.. انتحار امرأة.. وانتحار أمل بالعيش دون ضغط وكدر... واقع صحي بائس وعلل كثيرة وكبيرة بحجم المأساة الكبرى.. علل متراكمة خلفها القهر والحرمان والإحباط والفشل في إدارة الدولة منذ عقود من الزمن.. علل اجتمعت فيها آثار الحروب ومخلفات اليورانيوم والقنابل العنقودية.. علل أصابت النفس والجسم معا.. رجال ونساء ظهرت عليهم آثار خوفهم من المجهول وخوفهم على الأبناء وقلقهم من تقلبات الزمن على شكل أوجاع وأورام وأمراض مزمنة.. علل لن تجدها مجتمعة عند شعب من الشعوب سوى شعبنا المبتلى بالطواغيت من عشاق الحروب وباللصوص من عشاق الفساد.. نزاعات عشائرية وغياب واضح لقانون يدير الحياة خلف لنا طبقة من المتكلين على سطوة القبيلة ونفوذها فصار القتل وإراقة الدماء من أولويات ومقدمات أغلب المشاكل العائلية أو الاجتماعية الأخرى.. حتى صارت (الدكة العشائرية) فعلا استعراضيا ومادة مصورة تتداولها صفحات التواصل افتخارا وعزة بالإثم.. وكم من قتيل لم يكن ينبغي له أن يغادر الحياة لو لم يكن هذا الداء متفشيا؟ عمال يموتون.. ابتداء من لحظات جلوسهم في (المسطر) تحت سطوة المفخخات وانتهاء بحوادث العمل الذي لا تراعى فيه شروط سلامتهم.. الألغام ومخلفات الحروب وأكداس العتاد في مخازن قديمة لم يكتشف مكانها بعد.. هي الأخرى مما يسوق الناس إلى حتفهم في هذه الأرض المليئة بالأحزاب.  السلاح المنفلت الذي لا تمتلك الدولة زمام السيطرة عليه ولم تملكها لغاية اليوم، لم يخل بيت منه وما يزال سببا لإزهاق أرواح المزيد من البشرعند اندلاع شرارة أي خلاف.. جنود يقتلون غدرا لأن تحصينات مواقعهم غير آمنة ولأن نظام أدائهم للواجب قد اعترضه بلاء الرشى وتبادل المنافع والوساطات وفساد بعض من يدعون أنهم قادة، فصارت نوبات الحراسة والقتال مضاعفة عليهم وأماكن تواجدهم تأثرت بالمحسوبيات والمحاصصة ففريق على خط النار والمواجهة وفريق يعمل سائق أجرة أو يمارس عملا آخر بالقرب من منزله، فإن استشهد أولئك غدرا وصبرا وقهرا قال قائل متبجحا: "إنها العسكرية..نفذ ثم ناقش"، يذكرنا بضابط ذلك الزمن المتعجرف وجنديه المهان في مراكز التدريب، المقطوع الأذن واللسان لأنه الفار بكرامته من جور ضباط الطاغية. بيئة ملوثة ومياه شرب غير صالحة ومستشفيات بائسة ومدارس لم تعد قادرة على استيعاب الطلبة الذين افترش بعضهم الارض لتلقي ما يمليه المعلم من دروس لا تشبه دروسه الخصوصية وهم يتداولون الفيروسات والأوبئة تداول الغلمان للكرة فيعدي بعضهم بعضا كأنهم يتضامنون مع العليل منهم بحمل علته!! الأمثلة كثيرة على أسباب الموت العراقي غير المبرر، لا يسع المقام لاستعراضها جميعا.. لكنها تستحق إعادة النظر من قبل طبقة سياسية غير هذه الطبقة وبكل تأكيد (غير هذه الطبقة).

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك