المقالات

الغضبُ المُستشاط..في ذكرى الثامن من شباط !

1053 2022-02-08

محمد الجاسم ||

 

     عرفت البشرية أنواعاً كثيرة من الانقلابات العسكرية،وتميزت كلها تقريباً بالعنف والإعدام وتصفية المناوئين جسدياً،ولعل الرغبة في الثأر والانتقام قد تميزت بها حقبة انقلاب 8شباط1963،التي قامت بها مجموعة من شقاوات بغداد ممن كانوا يُعَدّون الطبقة الأمامية من تنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق،كما تميزت هذه الحركات بدعم مباشر وتخطيط غير مباشر من قبل الأمبريالية الأمريكية، وثمة عبارة مشهورة منسوبة لعلي صالح السعدي أمين سر القطر لحزب البعث في العراق في العام 1963، أكدر فيها القيمومة التي مارستها الولايات المتحدة على حزب البعث للقضاء على حكم الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم،حيث قال السعدي:" لقد جئنا إلى السلطة بقطار أمريكي"،ورغم أن هذه العبارة انتقلت شفاهياً بين المؤرخين المعاصرين والمحدثين، لكن ثمة من يؤكد نسبتها للسعدي،ومن جملة تلك التوكيدات ما جاء على لسان خالد علي الصالح، عضو قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي في الأعوام 1959-1975 في مذكراته التي تضمنها كتاب (على طريق النوايا الطيبة) ما نصه:

"ان الحكومة الامريكية أبدت استعدادها لتقديم المساعدات المالية والعسكرية لدعم حزب البعث العربي الاشتراكي ضد حكم عبد الكريم قاسم في العام 1959، ونقلت تلك الرغبة عن طريق طالب شبيب عضو القيادة القطرية للحزب 1958-1963،".

     وثمة شهادات تأريخية مرفقة بأسماء معروفة في وقتها،مثل الباحث البريطاني بينروز في حوار أجراه مع هاشم جواد وزير خارجية العراق ،اعترف فيه جواد انه كان على علم بوجود نوع من التواطؤ بين المخابرات الامريكية والبعثيين، ولعل ما ذكره زكي خيري عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بأن السفير الأمريكي في بيروت كلف أحد أقارب الزعيم عبد الكريم قاسم بضرورة تحذيره من مغبة التوقيع على مسودة قانون رقم (80 لسنة 1961م) الذي وجَّهَ فيه الزعيم ضربة رهيبة لشركات النفط الاحتكارية،واستطاعت حكومة الثورة بموجب هذا القانون استعادة 99,9% من الأراضي الداخلة ضمن امتياز شركات النفط الأجنبية،ومن كبرياتها كانت الأمريكية والبريطانية والفرنسية، تلك الأراضي الحاوية على احتياطات نفطية هائلة .

     لقد أسست تجربة 8 شباط الإرهابية لمرحلة حكم حزب البعث العراقَ لأكثر من ثلاثين سنة بدءًا من العام 1968 وحتى العام 2003،وكانت صفة نظام البعث هي الدكتاتورية الشخصية لصدام حسين ،الذي تجاوز على جميع القواسم المشتركة مع البعثيين في السنوات السابقة ، الذين كانوا يَعُدُّون أنفسهم أصحاب رسالة سياسية قومية إصلاحية.

     حين إلقاء نظرة على بدايات تأسيس حزب البعث في العراق، برسم التطورات التي مكّنته في البداية من الانتصار وإثبات الوجود، نجد أنه لم يعد الفصل ممكناً بين صدام حسين،كقائد ديكتاتور متسلط وجبروتي،وبين الحزب كحركة قومية عربية ،خدعت الجماهير لتبني منهاجها السياسي والعمل لأجلها، فكان حزب البعث قد استطاع أن يتولى السلطة في العراق في العام 1963، في انقلاب دموي في 8 شباط ، عندها أطاح البعثيون بالزعيم الوطني عبد الكريم قاسم،بالتعاون مع رفيق دربه الذي كان قد عفا عنه من قبل ، العقيد الركن عبد السلام محمد عارف.وخلال تسعة أشهر التي حكموا البلاد بها،قبل أن ينقلب عليهم الشريك الخائن،ويملأ بهم السجون والمعتقلات،ويفر القادة الى خارج العراق،مصر والأردن،وغيرها، أحالوا الشعب العراقي الى محرقة أجساد وأفئدة على الضحايا الأبرياء،من الإسلاميين والشيوعيين والناصريين، الذين سحقتهم ماكنة ميليشيا الحرس القومي منذ شباط لغاية تشرين أول العام نفسه.

 

محمد الجاسم, [٠٨/٠٢/٢٠٢٢ ٠٢:٠٨ ص]

لقد تطرق العديد من الباحثين والمؤرخين والصحافيين الى البحث في أسباب الفشل المريع لتجربة انقلاب 8 شباط الأسود ونهايته المأساوية، والدروس المستفادة منه،ولم يتوصل الجميع الى سوى نتيجة واحدة،هي إن الإفراط في استخدام أدوات السلطة بالعنف، التي تبدأ بإعدام قادة وطنيين، ثم معاملة المعارضين السياسيين لتجربتهم بالاعتقالات والتعذيب والإذابة في أحواض الأسيد،يضاف الى ذلك مغريات السلطة المادية وغيرها،لابد أن ينسحب ذلك على نفوس قادة الحركة الانقلابية،ويغذي الصراعات بين (البعثيين القدامى) من المؤسسين والآيديولوجيين من جهة، وبين الجيل الأصغر من البعثيين في أواخر الخمسينات وبداية الستينات،ممن كانت لهم تطلعات نزقية في الحياة،فبعضهم كان غارقاً في حفلات الخمر والملاهي - وقد انضم العديد من العسكريين إليهم ـ وبعضهم أدمن على القمار،وكان علي صالح السعدي أمين سر القطرـ كما كانوا يسمونه ـ مدمناً على لعب القمار،حتى وصل برفاقه أن اتهموه باستيلائه على أموال تبرعات تخص الحزب والمقامرة بها ثم خسارتها بالكامل. كما لعبت الصراعات الاتجاهية بين أعضاء البعث من المدنيّين والعسكريين ،تدور قبل كل شيء حول أهمية الصراع الطبقي، وإدخال مصطلح (الاشتراكية) الذي تبناه المدنيّون،مقابل مصطلح (الوحدة العربية) الذي روّج له العسكريّون .

     وفي النهاية لم يتمكن حزب البعث الصدامي،بعد أن كان (حزب البعث العربي الاشتراكي)،من الحفاظ على أفكاره الوحدوية،بافتعاله المشاكل والاحتراب مع دول عربية بذاتها،مثل استعداء سوريا والسعودية،ثم احتلاله لدولة الكويت،كما لم يتمكن من تحقيق أدنى مستوى من الاشتراكية،بل كانت شخصيات وعوائل الحزب متحكمين برؤوس الأموال الوطنية والاستثمارات وموارد الوزارات،وأدت الحروب العبثية التي شنها ضد الجارتين إيران والكويت،الى استنفاد مريع للخزينة،وإفقار الشعب تماماً وإدخاله ضمن حصار دولي قاسٍ،عانى منه الشعب العراقي دون سلطة البعث.

كانت تجربة البعث في 8شباط الاسود،مقدمة لتجربة البعث الدموية بعد 17تموز1968،وهي أسوأ حقبة حكم في تأريخ العراق،مازلنا نتلمس آثارها المدمرة الى يومنا هذا.

ورَبَّ قول..أنفذُ من صول..

 

ناصرية دورتموند/ألمانيا

8شباط2022

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك