حمزة مصطفى ||
يدور هذه الأيام نقاش يتفاوت بدرجات متفاوتة بين السخونة مرة و"الحماوة" مرة أخرى حول قرارات المحكمة الإتحادية الأخيرة, لاسيما قراريها بإستبعاد مرشح الحزب الديمقراطي لمنصب رئاسة الجمهورية هوشيار زيباري, وعدم دستورية بيع النفط من قبل حكومة إقليم كردستان. أصل النقاش فيه عدة جنبات, قسم منها دستورية بحتة بمعنى أن دستورنا وإن كان يوصف بأنه من الدساتير الجامدة وبالتالي غير القابل للتعديل لكنه في الوقت نفسه مهلهل حتى لو أردنا تطبيقه. والدليل على ذلك مايثار الآن من أبعاد سياسية وهي هي الجنبة الثانية فيما يتعلق بالنقاش الدائر بين النخب والسياسيين وممن بعض من كانت لهم مشاركة بطريقة أو أخرى في كتابة الدستور. أما الجنبة الثالثة فيمكن وصفها بأنها الجنبة الإجرائية وهي أن صياعة الدستور عام 2005 أي بعد سنتين من الإحتلال الأميركي للعراق الذي لم يكن قد سمي بعد إحتلالا من وجهة نظر غالبية من ساهم بكتابة الدستور من القوى السياسية المنتصرة ذهبت الى نوع من التواطؤ المتبادل بين منطق "علاقات القوة" كما يصفها دائما الدكتور يحيى الكبيسي وبين مجموعة فواعل داخلية وخارجية ساهمت في ولادة دستور تتخادم فيه المواد بين الأطراف الفاعلة.
في العالم دساتير كثيرة بعضها كتبت منذ مئات السنين مثل دستور الولايات المتحدة الأميركية الذي خضع عبر عشرات السنين الى تعديلات كثيرة جدا. وبالتأكيد هناك عشرات الدساتير التي خضعت لتعديلات مماثلة. لكن السؤال ماهو منطق التعديل؟ التعديل يفرضه الزمن لدى الآخرين لا منطق علاقات القوة مثلما حصل ويحصل عندنا. يقول المفكر الأميركي فرانسيس فوكاياما في كتابه "أصول النظام السياسي" عن الدستور الأميركي أن "دستور الولايات المتحدة صمم بحيث يحوي طائفة واسعة من الضوابط والتوازنات التي تستطيع بواسطتها أطراف مختلفة في الحكومة منع أطراف أخرى من ممارسة سيطرة إستبدادية".
لست معجبا بالأميركان, بل أكرههم لأنهم دمروا بلدي, لكن الطبقة السياسية التي كتبت الدستور لم تستفد من حسناتهم الدستورية شئ. بصراحة كتبته لنفسها. لكن ما أن إختلفت حسابات القوة ومنطقها إنكشف كل شئ خصوصا عندما أخذت المحكمة الإتحادية على عاتقها إعادة التوازن عبر تفسير مواد الدستور وفق الأصول لا وفق أمزجة من كتبه وأثثه بالإلغام المؤجلة الإنفجار.. بحيث نعيد كل مرة صلاتنا التي يبطلها " إنفجار" لغم جديد.
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha