منهل عبد الأمير المرشدي ||
اصبع على الجرح .
Manhalalmurdshi@gmail.com
بعيدا عن الخوض في النظريات والتنظير ومن دون اسهاب او تأطير وبمفردات واقعية مما نرى ونعيش نقول ان العالم محكوم بمنطق القوة وليس بقوة المنطق وعلى هذا الأساس تحكمت امريكا في مجريات الأحداث منفردة وفق مزاج ساستها ومصالحها بإعتبارها القطب الأوحد منذ تفكك الإتحاد السوفيتي بمطلع تسعينات القرن الماضي .
غياب التوازن في القوة واختفاء القطب السوفيتي في الموازنة كان له أثرا سلبيا على المستوى الدولي حيث كان لأمريكا ان تتحرك كما تشاء وتفعل ما تشاء من دون اي اعتبار لمجلس الأمن او الأمم المتحدة من احتلال افغانستان الى احتلال العراق الى التواجد على الاراضي السورية الى الدعم الأعمى لكيان دولة اسرائيل بما يرتكب من مجازر ضد الشعب الفلسطيني الى ابتزاز الأنظمة العربية بالمال والتطبيع مع الكيان الصهيوني مقابل بقائها في سدة الحكم الى الإنسحاب من الإتفاقيات الدولية بما فيها الإتفاق مع ايران في الملف النووي الى فرض العقوبات الإقتصادية على كل من لا يرضخ لها ولشروطها من ايران الى كوبا ومن الصين الى فنزويلا ومن كوريا الشمالية الى روسيا والقائمة التي لا تنتهي .
حتى اوربا باتحادها كانت ولا زالت تعاني من الهيمنة الأمريكية والسطوة على ارادتها ومواقفها من ملفات دولية عديدة حتى وصل الأمر الى نقاط حادة مع فرنسا إثر ازمة الغواصات مع استراليا ناهيك عن نقاط الشد والجذب مع المانيا التي تميزت عن اوربا بعلاقات خاصة مع روسيا التي تمّد الدول الأوربية بالغاز من خلال الخط الأول الواصل اليها عبر البحر وكان المفترض افتتاح الخط الثاني في حزيران القادم . الرئيس الروسي بوتين بما يتميز به من قوة في الشخصية وكارزما الرجل الطموح لإعادة الهيبة والحضور للدور الروسي على المستوى الدولي ومنذ مجيئه للسلطة قبل اكثر من عقد ونصف من الزمان بات يمثل هاجسا مقلقا لساسة أمريكا حيث يحاول جاهدا الوقوف بالنّد لأمريكا في صراع النفوذ وكان لروسيا حضورها الفاعل والمؤثرالذي غيّر مجرى الأحداث في سوريا وليبيا وفنزويلا وكوبا وافريقيا وغيرها مع تنامي القوة الصينية اقتصاديا للحد الذي جعل عودة التوازن بالقوة في العالم امر قريب من الواقع .
تنامي القوة الفعلية المواجهة لأمريكا وتزايد عناصره الرئيسية اضافة الى روسيا والصين بايران مع كوريا وفنزويلا وكوبا وغيرها مع تقارب روسي اوربي جعل امريكا تشعر بخطر الوهن والضعف وغياب تأثيرها في اوربا الباحثة عن هوية وخصوصية يحول دونها القرار الأمريكي .
ما جرى طوال الفترة الماضية من تحشيد اعلامي امريكي لغزو روسي محتمل على اوكرانيا مع تحريض للرئيس الأوكراني للمواجهة والإصرار على الإنضمام لحلف الناتو متحديا الفيتو الروسي متزامنا مع حملة اعلامية شاملة في هذا الإتجاه من كل ادوات امريكا في المنطقة وصولا الى ما آلت ايه الأحداث ابتداءا من اعتراف روسيا بإستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك والتي سبق لها وان ضمت اقليم القرم الى دخول القوات الروسية الى الأراضي الأوكرانية مستهدفة اسقاط العاصمة كييف وما حصل من خسائر ودمار ونزوح وتصعيد اوربي بتحفيز امريكي مع توالي فرض العقوبات على المنظومة المالية والحكومية الروسية وهذا الضخ الهستيري بالسلاح والعتاد الى اوكرانيا بل وحتى فتح باب التطوع للقتال في دول اوربية عديدة في المقدمة منها بريطانيا يشبه ما تم ضخه من الدواعش للقتال في سوريا مما دفع بوتين من جانبه الى التصعيد في استنفار القوة النووية الروسية وجعلها في حالة تأهب قصوى .
صار واضحا ان الأمور لا تسير كما يتمناها الدب الروسي وان هناك تحشييد وتجييش امريكي نجح حتى الآن في حشد موقف اوربي يكاد يكون موحدا ضد روسيا بما فيهم المانيا التي تجاوزت حدود المتوقع في علاقاتها مع روسيا واعلنت عن ضخ كميات كبيرة من الصواريخ الى اوكرانيا يقابل كل ذلك موقفا يمكن وصفه ادنى من مستوى الطموح من قبل الصين التي اكتفت بألإمتناع عن التصويت على قرار ادانة روسيا في مجلس الأمن فيما تبدو ايران هي الدولة الأقوى في موقفها الصريح الى جانب روسيا .
بالمختصر المفيد نقول إن تأخير حسم الحرب من جانب روسيا مع تصاعد الضغط الامريكي والأوربي على بوتين فإنه بقدر ما يحقق لأمركا اعادة سطوتها على اوربا وتفردها في القرار بالعالم بقدر ما قد يؤدي الى ما لا يحمد عقباه في الجانب الروسي حيث نخشى ان يصل بوتين الى قرار (عليّ وعلى اعدائي) واذا متّ ظمآنا فلا نزل القطر .
اللهم الطف بعبادك الفقراء والضعفاء والعن الحرب والعن تجار الحروب .