المقالات

شعبان وآذار مرة أخرى..!

1890 2022-03-02

  ضحى الخالدي ||   عاد آذار مقترناً بشعبان بعد ثلاثة عقود ليذكرنا بالمقابر الجماعية التي تربّع فوق عنفوانها كومة من الفاسدين يجترون مجداً لم يصنعوه، بل تخلّوا عنه، وجعلوا دعمه مشروطاً… وما زالوا يمتصون من عظام بضعمئة ألف شهيد إكسير الجثوم على صدور الأموات المتحركين في هيئة الأحياء… عاد آذار وشعبان، وماء المزاريب الأحمر لم يغادر مخيلتي، ولم يفارق عيني المطر الأسود… لم تشرق شمس ذلك الربيع وكانت خجلى… وعند فجر ليلة النصف من شعبان لم تفتح السماء أبوابها كما أخبرتنا جدتي مراراً… وفي سكرة ترقبنا لصوت الوليد القادم سحرَ تلك الليلة، سمعنا الوليد يبكي ضارعاً: رب إرحم شيعتي… لم تضحك الملائكة تلك الليلة، ولم تهنئ بعضها، ولم تتزين السموات السبع، واعتقدنا نحن الموحدون أن آلهة الشر والموت والظلام قد نشرت أجنحتها السوداء على فراتنا وجنوبنا منبعثةً من العالم السفلي انبعاث الجراد على مخضر السنابل، فتساقطت أعمار شبّاننا وشابّاتنا زهوراً ذابلة… أرقاماً بلا أسماء في حفر هائلة تسمى مجازاً قبوراً جماعية مجهولة الهوية؛ لكن الهوية صرخت معرّفةً عن نفسها بعد إثني عشر عاماً على عدد أئمة الطائفة المنكوبة: جمجمة محجبة، عباءة، مصحف صغير، دفتر خدمة عسكرية في بقايا جيب على حافة أضلاع (مردها القهر والهضم قبل الشفل)، (نعال) طفلة في نهايته (لاستيك) لتثبته (الماما) في قدميها  الغضّتين اللتين لا تعرفان المسير بعد إلا قليلاً، لكنها عرفت المسير نحو الموت في حفرة ، قنينة رضاعة للأطفال، (ملهيّة) أطفال لم أتبيّن الشفاه الطرية التي كانت تقبض عليها بقوة قبل النوم الأبدي، (دشاديش) إنگورا مشجرة، وأخرى ديولين سوداء، كانت الغالبية سوداء رغم أفراح شعبان، ففي كل بيت فرحة زمن القائد العلماني الطائفي، والحق أقول لكم: تعصف بنا جدلية خطيرة منذ عقود، وحتى الآن: لماذ العلمانية لدينا طائفية، وباتجاه واحد؟؟!! عاد آذار وشعبان بعد ثلاثة عقود ليذكّر من نسي أنّا قُتلنا وأحرقنا ودُفِنّا باسم الطائفة، على يد الطائفة،  وطائفة، وقائد طائفي… أبشع أنواع الطائفية هي الطائفية العلمانية التي تستهدف طائفة باسم المدنية والقومية والوطنية…  ثم تسرق مني هويتي التي حاربتني لأجلها قروناً، كي ترتدي قميص الحملة الإيمانية، وتفقس لي ببيضها الفاسد عن أحقاد قاعدية وداعشية سرقت ما تبقى من سنِيّ أعمارنا الكالحة الباهتة. فلما إنبرى لمواجهتها أباك الضيم وورثة الظليمة والاهتضام، قيل: سرقوا الثلاجة، وسرقوا المصفى! فاليوم أمن وأمان، والجلسة مرتاحة، والنومة هانئة، فمن حقك أن تتربع على سريرك وتلوك كلماتك متشدقاً بالتهم المجانية، والإدانات الجاهزة. وحقك نحن من سُرِقنا؛ سُرِقَتْ من حدقات عيوننا ثلاثة أنجم زاهرة مع بدايات آذار قبل سبع سنوات، ففي الثريا حاج مهدي الكناني، وعند الفرقدين أبو صديقة، وعند السماك الرامح الذي يسطع في الربيع كان نوري الحريشاوي.. نحن لا ندفن شهداءنا في التراب.. نحن نعلقهم على صدر السماء أوسمة تزينها، فتباهي بها أهلها، لأنها هدية أهل الأرض… في الرابع من آذار؛ كان ينقص السماء حدقةٌ ومحجران، فأهداها الحشد نجمةً وعينين… ومَن ذا يقلّد السماء عينيه!  أمة الحشد كنا، وما زلنا،…ولا زلنا.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك