محمد الكعبي ||
قال رسول الله ( ص ) : فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي ) ، الاصلاح حالة انسانية ترنو لها النفوس الراقية وتعيشها العقول النيرة والروح الملكوتية ، لما فيه من كمالها وسؤددها والتي تريد ان تتحرر من قيد العبودية وتنطلق إلى فضاء يستجيب لرغباتها المشروعة التي تحاكي طبيعة حاملها .
إصلاح يكسر قيد الماضي والقبيلة والزعيم و لا يجير الدين لشيطانه ولا يجمل المصطلحات لرغباته ، انه - الاصلاح - منهج الرب تعالى الذي قدم من أجله للإنسان القرابين من انبياء واولياء لإخراج البشر من وحشيته إلى انسانيته ، حتى يتحقق العدل الالهي وتنعم البشرية بالسعادة والسلام.
لكن النفوس المريضة أبت الا ان تعبد عجلها وتسجد لفرعونها ليستحيي بناتنا ويقتل اولادنا لرغباته المريضة ، اما من كان مريضاً بداء التدجين فيبرر ويرقص لأنه اوقف عقله لنمروده فعاش الهوان والاستخفاف وسحقته الجاهلية بأقدامها.
فساد ، خراب ، فشل ، ضیاع ، جهل ، فقر ومرض ، ولكن العبد يراه اصلاحا ويعتقد انها الحرية ، تعسا لإنسان عطل عقله وجمد تفكيره ونام وسط النفايات ويشم ريحها النتنه وهو يبتسم ، فكم مثل هذا النموذج بيننا .
الاصلاح مهمة الانبياء ( عليهم السلام ) إلى المجتمع الذي انحرف ليعيدوه إلى جادة الخير ، ويعالجوه من أمراضه المستشرية ، { وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) ، قد يعيش المصلح الغربة بين قومه ، لكنه غريب عنهم فكرياً .
الاصلاح كلمة كثيرة التداول ومثيرة الجدل ، مما جعلها تفقد رونقها لكثرة مدعيها ، لذا تحتاج كلمة الإصلاح إلى بيان لتتبلور وتتضح معالمها عند الناس حتى لا تضيع معالمها بين المصطلحات والمفاهيم والتي فقدت قيمتها .
الاصلاح من أهم مخرجات الشريعة ، واهم مرتكزاته تسييد القانون فبه تحفظ الحدود وتصان الدماء والاعراض.
إن الاصلاح حاجة انسانية ملحة وضرورة لبناء المجتمع السعيد ومطلب يسعى لتحقيقه جميع الخلق ، والاصلاح له ثلاثة أركان:
الاول : المصلح .
الثاني : المنهج الاصلاحي مشروع إصلاحي.
الثالث : المجتمع أو الامة بمعنى وجود مجتمع يريد أن ينصلح ولو نسبيا.
سنتناول الركن الاول ونترك الباقي للمناسبات القادمة أن شاء الله .
من أهم مقومات المصلح أن يمتلك : العلم ، الحرية ، العقل ، التقوى ، الحكمة ، القيادة ، النباهة ، الكياسة ، الفطنة ، ادراكه بالمتغيرات العالمية والمحلية ، مواكبة العصر بكل حيثياته ، يجيد اختيار مستشاريه وممثليه ، يستعين بالخبرات والكفاءات ، القدرة على المناورة ، القوة ، الإخلاص ، الشجاعة ، الإقدام ، الاصرار ، الجد في العمل ، الخبرة ، ذو بصيرة ، أخلاق حسنة ، يفهم لغة عصره والمجتمع وبالخصوص اتباعه ومؤيديه ، امتلاكه منهجاً معداً إعداداً محكماً وقابلاً للتطبيق ، اليقظة ، الإيمان بالله وبشريعته والتوكل عليه تعالى ، التخطيط والتنظيم والتنفيذ ، متزن بتصرفاته ، الطموح ، الامل ، يحمل روح المبادرة ، أفق واسع ، سعت الصدر ، العدل ، الانصاف ، الصبر ، التواضع ، الكرم ، الإدارة الجيدة ، استشراف المستقبل ، يحدد أهدافه وطريقة الوصول اليها ، الواقعية ، صادق ، أمين ، يحمل هم الامة وأعبائها ، وجود مساحة ممكنة لتحقيق منهجه الاصلاحي.
على المصلح مسؤولية إنقاذ المجتمع من المربع الكارثي الفقر ، الجهل ، المرض ، البطالة ، وان يجفف دموع الثكالى ويمسح على رؤوس الأيتام ويدخل البسمة على وجوه الاطفال ، مصلحا يوفر دواء لمريض عانى من غلائه ، وفقير عانى من الجوع حتى بكى ليلا طويل ينتظر مسعفا ، وان لا يكون سببا في تفريق وتجهيل الامة { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ* فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} الزخرف / 55.
عندما يكون المجتمع فاسداً قطعاً يحكمه فرعون والنتيجة الفرق الحتمي ، فكان لزاما وجود المصلح الذي يصلح ما أفسده الفرعون .