المقالات

الخروج من الازمة


 

ابراهيم العبادي ||

 

سواء نجح العراقيون في تجاوز ازمة الانسداد السياسي الراهن ام لم ينجحوا ،يتعين على القوى السياسية العراقية ان تفكر كثيرا في المآلات المترتبة على هذه النمطية من السلوك السياسي السلبي ،اذ انها تجازف في خسارة الرصيد الاجتماعي وتمعن في توسيع مساحات عدم الثقة بينها وبين الجمهور المحبط .

القوى السياسية  العراقية بلا استثناء تعاني من تراجع قواعدها الشعبية  ، انتخابات تشرين اوضحت امرين ذوي دلالة كبيرة ، الحجم الكبير للمقاطعة الشعبية ، ثم في فوز عدد كبير نسبيا من النواب المستقلين ، كان حصاد الاصوات مخيبا لامال الكثيرين ،وحتى الذين فازوا عرفوا ان جمهورهم ظل محدودا ،اقتصر على المحازبين والمنظمين  .

السباق السياسي المحموم بين الكتل السياسية اقترن هذه المرة بخيار كسر الارادات ،وتصفير المنطقة الوسطى ،فليس المستقلون ببعيدين عن هذا الاختبار ،لاوجود لمنطقة ظل ومسك العصا من وسطها ،فالحياد صار انحيازا  .

دخل المشهد السياسي العراقي في تعقيد اكثر من اي وقت مضى ،لامفاوضات الاطراف قربت المتنافسين من الحل الوسط ولانوايا كسرالارادة المتبادلة خفت حدتها .السلوك السياسي الراهن يؤشر الى خطأ منهجي كبير ،فالمشكلة ليست في تغلب رؤية على غيرها وتقدم فكرة وتراجع اخرى ،المشكلة ان اللاعبين السياسيين ينظرون الى هذا التنافس الشرس بانه صراع على قيادة مكون ومن يخسر هذا الصراع سسيكون خارج اللعبة بلا موارد .ولذلك صار التحشيد في هذه المعركة يستخدم ذات الادوات التي استُخدمت في المراحل الاولى من العملية السياسية الجارية ،ادوات الدين والمذهب ،وهي الادوات الخطرة التي يمكن ان تستخدم في الاتجاهين ،فمن كان صالحا في يوم ما يغدو شيطانا في اليوم التالي ،انحدار السلوك السياسي الى هذا المستوى من المجازفة بالرصيدالاخلاقي المتبقي ،يجرد القوى السياسية من الدافع السياسي الايجابي ويحول لعبة التنافس السياسي الى مصارعة ثيران اسبانية ،الفائز فيها مطارد بقسوة الدماء النازفة من الخصم  والخاسر فيها ضحية عناد  وتحدي .

لم تتمايز  الاتجاهات السياسية العراقية بوضوح كامل على اساس فكري وبرامجي  ،لايمكن ان نعد اتجاها بانه يساري في مقابل اتجاه يميني محافظ ،ولم تقدم كتلة مشروعها السياسي  لمعالجة مشكلات الاقتصاد ومواجهة الفساد وادارة الدولة ادارة علمية صحيحة ،الجميع يرفع شعارات فضفاضة ويتحدث عن مباديء عامة والهم الاول والاخير هو تاكيد صوابية اختيارات الذات وتمايزها الحزبي .

ثمة تجربة قريبة العهد منا عانت من صعوبات تقارب المسافات بين التيارات الحزبية ،اليمين واليسار واحزاب اليمين المتطرف الدينية والاحزاب العلمانية ،انها تجربة الحياة السياسية في الكيان الاسرائيلي،وقد خاضت هذه الاحزاب تجارب حكومات الوحدة الوطنية والائتلافية واحزاب الاتجاه الواحد (اليمين ) التي كان يقودها بنيامين نتنياهو المتهم بالفساد .

ولأن المجتمع منقسم بين علمانيين ودينيين وعرب ويهود واحزاب متشددة واخرى معتدلة ،اقتضى الامر خوض اربعة انتخابات نيابية لحسم موضوع التقارب في عدد الاصوات ومن له حق تشكيل الحكومة ،حيث اصبحت الاحزاب العربية هي من يرجح الكفة ويفرض الشروط .

انتهت الازمة اخيرا بتغلب احزاب يمين الوسط وتشكيل حكومة التناوب (كل سنتين رئيس للوزراء ) برأسين بين نفتالي بينت ويائير لبيد وبمشاركة القائمة العربيةذات التوجه الاسلامي.

المشكلة العراقية التي تستنسخ مشاكل التعددية الطائفية اللبنانية وتعيد التسميات ذاتها (ثلث معطل وثلث ضامن ) مدعوة للتعلم من تجارب الاخرين لعبور المأزق ،

النضج السياسي هو العامل المفقود في المعمة الراهنة ،وبينما ينهمك السياسيون في سباق التحدي وكسر الارادات ينشغل المثقفون في البحث عن مخارج للازمة باقتراحات تتراوح بين تعديل الدستور وتحويل النظام البرلماني الى رئاسي أو شبه رئاسي فيما يذهب اخرون الى ترجيح مقولة  المستبد العادل إو المستبد المستنير ،باعتبار ان العراقيين لاينقادون الا للرجل القوي الحازم وغير جديرين بقبول التداول السلمي للسلطة في بيئة تكثر فيها الرؤوس المتصلبة .

هذه المقولات تصبح ترفا سياسيا في واقع محتدم  وتصارع غريزي قد يتحول الى عدوان لكسر الانسداد والاستعاضة عن حرب المفاوضات والاعلام بحرب السلاح ،مايستدعي ظهور فئة حكماء جدد يجترحون المستحيلات لمنع انزلاق الوضع الراهن الى الهاوية التي يخسر فيها الجميع .

ـــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك