المقالات

الزعامة..!


  محمد عبد الجبار الشبوط ||   منذ انحراف معاوية بن ابي سفيان عن النهج الاسلامي في الحكم، والمجتمعات العربية والاسلامية تعاني من مشكلة السلطة القائمة على اساس الزعامة الفردية الملهمة القابلة للتوريث للابناء.  يقوم النهج الاسلامي للحكم على اساس خلافة الانسان، وسراية الولاية بين جميع افراد المجتمع بالتساوي، والشورى، ومن ثم حكم الاكثرية عند الاختلاف. ونجد هذه المباديء في الايات القرانية التالية:  "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً".  "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".  "وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ". وقد وعى الكثير من الصحابة والعلماء هذه الاسس، ولهذا اعترضوا على قيام معاوية بتحويل الخلافة النبوية الى ملكية وراثية، او "ملك" او "ملك عضوض" بحسب الروايات، وطالبوه باعادة الامر شورى بين الناس.  ومنذ ذلك الحين والسلطة في دول المسلمين مشخصة، يقوم بامرها سلطان او ملك او امير او زعيم او رئيس، يتولاها مدى الحياة، ويكون فيها قوله هو القانون، وتحرم فيها المعارضة، ثم يرث الحكم من بعده ابنه. ويمنع السلطان من ظهور زعامات تنافسه في حياته، او تنافس ابناءه من بعده، ويساعده في ذلك متملقون يزينون له الامر، ويمهدون له الارض، وينعقون باسمه ليل نهار.  وحين بدأت ظاهرة الانقلابات العسكرية، وقيام الجمهوريات الثورية، استبشر الناس خيرا، وظنوا ان عهد الانظمة السلطانية قد ولىّ، لكنهم اصيبوا بخيبة امل حين حكم جمال عبد الناصر مصر ١٨ عاما، وتبعه انور السادات، ومثله حسني مبارك. وحصل الامر نفسه، بعد ان وطد صدام حسين سلطته فحكم العراق بصورة مباشرة ٢٣ سنة، ومن وراء ستار ١٢ سنة. وكذلك الامر في ليبيا والصومال واليمن وغيرها، وهي كلها دول فاشلة هشة. ومما يزيد الامر سوءا ان الزعامات الدائمة والوراثية انتقلت الى الاحزاب السياسية كما هو الحال في لبنان وجزئيا في العراق، فصار زعيم الحزب ومؤسسه يتولى رئاسته طيلة حياته، فاذا ما مات او قتل انتقلت الزعامة الى ابنه او اخيه، وسط ترحيب الاتباع ورضاهم.  وهكذا اصبحت الزعامة الفردية الوراثية ظاهرة اجتماعية/ سياسية مقبولة، لا تثير حساسية لدى الجمهور. ومن نتائج هذا سكون الحياة السياسية، وضعف حراكها وصعوبة تطويرها، لان التطوير يفترض استبدال القديم بالجديد، وهذا امر متعذر في حالة الزعامات الفردية الدائمة الوراثية.  وفي وضع كهذا يصبح من الصعب، وربما المتعذر، اقامة حياة سياسية ديمقراطية، التي تفترض، بل تشترط، اعتماد التداول السلمي للسلطة. فكيف يمكن ذلك والسلطة محصورة في شخص الزعيم او من يرتضيه؟ واذا كان من الممكن ازاحة الزعيم بطريقة ما، فما الذي يضمن عدم تكرار الزعامة الفردية اذا كانت البيئة الاجتماعية تتقبل قيامها من جديد؟ وهنا يتفعّل القول:"كيفما تكونوا يولى عليكم". فالمجتمع الديمقراطي لا يولي الا شخصا ديمقراطيا، في حين يرضى المجتمع غير الديمقراطي بولاية اشخاص غير ديمقراطيين يسوقونهم سوق النعاج و "يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ". مثل هذا المجتمع يعاني من "العبودية الطوعية" التي تجعله يذعن عن طيب خاطر ورضا نفس بولاية الزعيم المستبد الملهم.  في طريقنا الى الدولة الحضارية الحديثة لابد من تنمية التوق الى الحرية في نفوس الناس، والشغف الى الديمقراطية، ورفض الاستبداد وعبادة الشخصية والانقياد الاعمى للزعيم الاوحد. وبدون هذا، سيكون بمقدور الاستبداد ان يعيد انتاج نفسه بصيغ واشكال عديدة مختلفة.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك