د. علي المؤمن ||
لا تعني حرية التعبير عن الفكر والسلوك؛ أن يمارس الإنسان حريته في الإعلان عن أفكاره وسلوكياته، والترويج لها، بالوسائل والأساليب التي يحلو له استخدامها، دون الأخذ بالاعتبار تأثيراتها في سلب حرية الآخرين، أفراداً ومجتمعاً، فإذا اقترن التعبير عن الأفكار بالاعتداء على حريات الآخرين وكراماتهم وأخلاقهم وعقائدهم، وخلق الفتن المجتمعية؛ فإنه سيكون تجاوزاً وعدواناً، وليس حرية تعبير، وهو ما ينطبق على الحراكات الخاصة والعامة التي تهدف الى الانفلات الفكري وحرف الثقافة المجتمعية وتهديم المعتقدات الدينية، بذريعة العمل في إطار الحقوق والحريات المعمول بها دولياً، وهي في الحقيقة تمارس انتهاكاً بشعاً لحقوق الآخرين وحرياتهم، وتخريباً وعدواناً على الدين ومشاعر الآخرين وكرامتهم وأرواحهم وممتلكاتهم ووسائل عيشهم وأمنهم الأخلاقي والمجتمعي، وهو ما ترفضه جميع الشرائع الأرضية والسماوية، وتقف بوجهه وتردعه بكل الوسائل المشروعة، بما فيها أكثر النظريات والنظم تطرفاً في الدعوة لمنح الحريات والحقوق، ومنها الليبرالية، وقد وضعت لمنع ذلك قوانين ونظماً كابحة ورادعة قوية.
وتدخل في هذا المجال؛ وسائل ردع من ينتهك حقوق الآخرين وحرياتهم، بذريعة المطالبة بالحقوق والحريات، ومنها «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» باليد واللسان، ففي هذا المجال يتدخل الفرد والمجتمع والدولة لردع الأفكار والسلوكيات التي تنتهك حقوق الآخرين وحرياتهم، بذريعة حرية الفكر وحرية السلوك، كون هذه الذريعة تعبير عن المنكر الذي يجب النهي عنه. وتربط الشريعة الإسلامية حركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من القواعد التي تقيد حرية الفكر الآخر، بموضوع المصلحة الإسلامية العليا أحياناً، وأمن المجتمع المسلم أحياناً أخرى؛ إذ أن تعيين الحكم الشرعي في مجال تنظيم عمل حرية الأفكار والسلوكيات؛ يعتمد - في جانب كبير منه - على طبيعة المصالح والمفاسد المترتبة على ذلك، وتدخل في ذلك مجموعة من القواعد الفقهية والأصولية.
وبناءً على ذلك؛ سيكون منع الفكر الضال والسلوك المنحرف واجباً بالعنوان الأولي، إذا أدّى إلى المفاسد الأساسية التالية:
أ- تهديد النظام العام.
ب- حرف المجتمع الإسلامي فكرياً أو سلوكياً.
ت- تركيز ظواهر الانحراف والضلال في المجتمع.