الدكتور هاتف الركابي ||
أفجعني كثيرا عدد الوفيات في مدننا في الجنوب لاسيما في مدينة النصر شمال الناصرية بعد اصابتهم بالسرطان .
منذ عشرة سنوات وأنا أناشد مؤسسات الدولة أن يعينوني على مطالبة الدول التي ضربت العراق بالاسلحة النووية والمحرمة. وكتبت أن التقارير تشير إلى أن اليورانيوم سيمتزج بعد مرور عشرين سنة مع التربة والمياه الجوفية وسيبيد الالاف. لم يسمعني أحد, وزرت اكثر من ١١ دولة على نفقتي الخاصة وبعض الدول ابدت المساعدة وعندما رجعت قدمت تقرير للبرلمان ولمجلس الوزراء ولم يسمعني أحد, عدا البروفيسور الدكتور حامد الباهلي الذي كان يبكي من شدة المصيبة ، ثم رفعت دعوى امام المحاكم السويدية وبعد مطالبتهم لي بالبيانات إلا أن وزارة البيئة لحد هذه اللحظة تمتنع عن وضع دليل للمناطق المضروبة باليورانيوم ، وقد تعبت من السفر بين العراق واوروبا . وآخرها حضرت مؤتمراً دولياً للبيئة في مدينة مالمو السويدية ، وقد اتضح ان الدولة الأكثر تلوثاً في العالم بمخلفات الاسلحة المحرمة واليورانيوم المنضب هي العراق بلا منازع ، وان العراق معرض في المستقبل لأمراض سرطانية وتشوهات خلقية لا نظير لها ويصعب حلها، فان كلفة التدهور البيئي في العراق تقدر بما يزيد على ٦٤ مليار دولار مع تلوث ٣٦٧٣ منطقة وخطورتها بوجود ١٧٣٠ كيلومتر مربع والذي يهدد مليون وستمائة الف عراقي .
اما المناطق التي تعرضت لاشعاعات اليورانيوم المنضب اثناء حروب ١٩٩١ و ٢٠٠٣ فقد بلغت في بغداد ٦٣ موقعاً ملوثاً ، وفي البصرة ٢٥ موقعاً ملوثاً ، وفي الموصل ١١ موقعاً ملوثاً ، وفي الناصرية ٢٧ موقعاً ملوثاً ، وفي المثنى ٩ مواقع ملوثة . اما القذائف والصواريخ النووية التي اطلقتها أمريكا وحلفاؤها فلازالت المدن العراقية تأن من امراض السرطان التي فتكت بالعراقيين ولازالت النسب السكانية المصابة بتزايد مرعب لاسيما في مدن الوسط والجنوب .
وعند ذهابي الى لندن عرفت ان الاطفال الذين توفوا بسبب هذه الاسلحة من ١٩٩١ الى ٢٠٠٣ قد بلغ 1,9 مليون ، وان ما يقارب ٣٤٠ طن من الرؤوس النووية ذات اليورانيوم قد القتها دول الشر المتحالفة وقد قتلت اكثر من مليون ونصف عراقي مع ارتفاع نسبة السرطانات والولادات المشوهة ، هذا فضلاً عن ضرب اسرائيل لمفاعل تموز النووي التي اودت بحياة الالاف والمناطق المجاورة واصابتها بالسرطان.
كل هذا الالم والمعاناة والموت وانتظار الموت وتسمم التربة والمياه والدولة لم تحرك ساكناً ولم تطالب المجتمع الدولي ، ووزارة الخارجية فشلت، والبرلمان عجز عن مطالبة الحكومة ،
لمعالجة هذه المشكلة الكبيرة، وفشلت وزارة البيئة بفعل شيء يذكر.
فلو كانت هناك نوايا حقيقية لدى صانع القرار العراقي لطالبنا بالزام الدول بإزالة تلك الاثار والتعويضات التي تصل الى اكثر من الف مليار. وها هي الامم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي يطالب الان بقوة بإثارة المسؤولية الجنائية الدولية الناشئة عن حرب روسيا واوكرانيا وتريد ان تعقد المحاكم لكن ضميرها لم يحركها تجاه العراقيين الذي سيقضي عليهم هذا المرض القاتل. وأمام ازدواجية المعايير الدولية وسكوت الضمير الانساني، فأني أبصق على هذا المجتمع الدولي الاعور، وأضعُ قندرتي على مجلس الامن الذين لم تهزهم هذه المصائب.
يا من اقسمتم بالمقدسات على ان تحافظوا على ارض العراق وشعبه ومياهه : أين الامانة واين القسم ؟ ! فمن قواعد السعودية وقطر والكويت والاردن انطلقت الصواريخ والاسلحة المحرمة لتفتك بالعراقيين ثم نأتي ونمنحهم اراضي ونمد لهم انابيب نفط الجنوب.!
ــــــــ