ضياء المحسن ||
في عالم السياسة لا يمكن أن تجد ثابت، كل المواقف متحركة خاصة عندما تتعلق بمصلحة القواعد الجماهيرية لهذا الحزب أو ذاك، كون قيادات الحزب تأخذ بنظر الإعتبار مصالح جماهيرها، من خلال مجسات تعمل على أخذ آراء المواطنين بإستطلاعات تجريها وحدات داخل الأحزاب، إلا في العراق فإنك لا تجد هكذا شيء فالمواقف تؤخذ بناءاً على رأي رئيس الحزب ووجهة نظره؛ حتى وإن كانت لا تتماشى مع تطلعات الجماهير عموماً وجمهور الحزب خاصة.
مفردة الإنسداد التي يتم تداولها جراء الأزمة السياسية الحالية بين الكتل السياسية، لا تعبر عن واقع الحال الذي نعيشه، تعني مفردة إنسداد لغويا إنغلاق مجرى أو إنسداد طريق، وقد يتسبب إنسداد الشريان التاجي في توقف قلب الإنسان ووفاته، وهذا لا ينطبق على السياسة.
المنظومة السياسية في العراق مع مرور أكثر من تسعة عشر عاما على التغيير لكنها لا تزال تعيش تحت طائلة التفكير المعارض للسلطة بما يمنعها من التعايش مع فكرة إستلامها للسلطة، لذلك نجد كثيرا من تصرفاتها وقراراتها إنفعالية غير مدروسة بناءاً على قراءات للواقع العام والتغيرات السياسية الإقليمية والدولية التي ترافق الأحداث الداخلية، فاللاعب الإقليمي الذي كان حتى وقت قريب يتماهى مع بعض الكتل السياسية، نجده اليوم يبحث عن لاعبين كبار يوفرون له الغطاء لحمايته بالإضافة الى إنسحابه وإنزواءه في هذه اللحظات في محاولة للنأي بنفسه عن بعض القرارات التي إتخذها عندما كان في الجانب الأخر.
أما اللاعبين الدوليين فهم اليوم أعداء بالعلن بعد أن كانت تلك العداوة لا تظهر الى السطح، وقد تذهب العداوة الى كسر العظم بينهم، خاصة مع تعرض مصالحهم الاقتصادية للضرر الكبير الذي قد لا تستطيع أن تجبره بسهولة، لأنه يحتاج الى عملية تداخل جراحي مركبة، هذه العملية الجراحية يمكن أن تؤدي الى التخلي عن بعض الأعضاء لعدم الإستفادة منها، لقد كانت الأطراف الخارجية (الإقليمية والدولية) تهدف من وراء وقوفها مع بعض الأطراف الذهاب الى حرب بين الإخوة، والذي إن حصل فإن النار لن تستثني أحداً، كما أن الحرب لو قُدِر لها أن تحصل فإن الضرر سيبلغ أقصى مداها ليطول الأطراف التي سعت لبث الفرقة بين الإخوة.
مما تقدم نجد ضرورة أن تعي الأطراف السياسية خطورة الأحداث وأن الأزمة السياسية وليس (الإنسداد السياسي) يجب أن يتم حلها داخل الإطار الوطني، وأن يأخذ بنظر الإعتبار مصالح البلد العليا في المرتبة الأولى، وأن التشنج في العمل السياسي ومحاولة إقصاء كتل سياسية بعينها لعدم توافقها بالرأي فهذا أمر ليس في مصلحة أي كتلة سياسية، لأن الجميع يعلم أن الكتل السياسية التي يراد إقصاؤها وتهميشها في العملية السياسية التي نشهد أزمتها المتصاعدة تملك ثقلا سياسيا وجماهيريا يمنحها الحق في المشاركة بالقرار السياسي.
لقد نجحت الكتل السياسية التي حاول البعض تهميشها في توضيح رؤيتها مما يجري على الساحة السياسية، وما نراه اليوم من تقارب كبير بينها وبين الكتل الأخرى دليل على أهمية دورها في العملية السياسية، ولا نجد ضيراً في أن نقول للآخرين بأن السياسة هي فن الممكن وأن الممكنات كثيرة بين جميع الأطراف، والإختلاف في وجهات الظر لا يفسد للود قضية، طالما أن الجميع يبحث عن مصلحة المواطن وهي المقدمة على جميع المصالح الأخرى.