عدنان علامه
*عيد الغدير أو عيد الولاية هو يوم تنصيب الإمام علي عليه السلام خليفة للمسلمين بأمر آلهي، ونص قرآني لا لبس فيه ؛ وبالبرغم من ذلك فقد تم مخالفة ذلك الأمر الآلهي بعد ثلاثة أشهر فقط من التنصيب وهو يوم شهادة(وفاة) رسول الله صلى الله عليه وعلى آله.*
*فلماذا إختار الله سبحانه غدير خم دون غيره لتنصيب الإمام علي عليه السلام خليفة لأمر المسلمين؟*
*لقد أخبرنا القرآن الكريم عن عدة تجمعات عبر التاريخ وذلك لنشر الدعوة إلى عبادة الله أحدًا فردًا صمدًا لا شريك له؛ وسأشير فقط إليها لأن المقام لا يتسع لشرحها؛ وسأذكر بإختصار أهمية موقع غدير خم وسبب إختياره:*
*1-جمع النمرود الناس لرمي النبي إبراهيم عليه السلام في النار العظيمة التي كانت بردًا وسلامًا بأمر الله على النبي إبراهيم.*
*2- جمع فرعون الحشود الغفيرة من كل القرى مع كبار السحرة الذي اسلموا بعد أن إبتلعت عصا النبي موسى عليه السلام عصيهم وحبالهم.*
*3- إجتماع الكهنة من كل البلاد في المعبد لتقريع السيدة مريم عليها السلام والنيل من شرفها حين رجوعها مع وليدها وكيف بهتوا حين تكلم نبي الله عيسى في المهد.*
*4- أما لماذا تم إختيار غدير خم مكانًا للتنصيب فيمكن معرفة ذلك بمتابعة الوقائع التالية:-*
*رجع الناس مع موكب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وقد كان خرج معه إلى الحج من المدينة من الأعراب وما حول المدينة من تسعين ألفاً إلى مائة وعشرين الفاً حتى وصل إلى موضع يسمى غدير خم وهو يبعد عن مكة بـ 185كم قرب منطقة رابغ الآن ويبعد عن ميقات الجحفة بعدّة أميال، فتوقف حتى لحق به الناس ورجع من تقدم وخطب بهم خطبة الغدير بخصوص ولاية الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام).*
*وقد كان مكانًا غير معدٍ للنزول؛ وهو مفترق طرق يتفرق منه الناس كل إلى موطنه فجمعهم هناك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع قبل أن يتفرّقوا حتى يبلغوا في أوطانهم ما سمعوه في غدير خم.*
*وننتقل سويًا إلى أسباب التبليغ والنتيجة :-*
*جاء الوحي إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله بالآية التالية : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (المائدة-67)*
*فكان على الرسول الإنصياع والتبليغ بالأمر الآلهي؛ فأنصرف (رسول الله) صلى الله عليه وآله من صلاته وقام خطيبًا وسط القوم على أقتاب الإبل التي جمعت لتكون منبرًا وأسمع الجميع، رافعا عقيرته فقال:-*
*"الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن ضل، ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله.*
*إني أوشك أن أدعى فأجبت، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيرا، قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأنَّ جنَّته حقّ ونارَه حق وأن الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: اللهم اشهد، ثم قال: أيها الناس ألا تسمعون؟ قالوا: نعم. قال: فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون علي الحوض، وإن عرضه ما بين صنعاء وبُصرى فيه أقداح عدد النجوم من فضة فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين فنادى منادٍ: وما الثقلان يا رسول الله قال: الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عِترَتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يراد على الحوض فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ثم أخذ بيد عليٍ فرفعها حتى رؤيَ بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه، يقولها ثلاث مرات، وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرات ثم قال: اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحبَّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب، ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله:- {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ} (المائدة-3)*
*فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي.*
*وفي المحصلة كان هناك نص إلزامي بتعيين الوصي وربط الله سبحانه وتعالى عدم التبليغ بعدم تبليغ الرسالة {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}؛ وبعد تعيين الوصي جاءت الآية الكريمة:- {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ} (المائدة-3).*
*وبناءً عليه فإن كمال الدين وتمام النعمة ورضا الله بالإسلام دينًا هو بتعيين الإمام علي وليًا وخليفة للمسلمين. وهذا تنزيل قرآني صريح ولا إجتهاد مقابل نص.*
*وإن غدَا لناظره قريب*
*18 تموز/ يوليو 2022*