بعد كتاب أو على الأرجح كتيب الشيخ الأزهري علي عبد الرازق "الإسلام وأصول الحكم" الذي أثار جدلا واسعا في وقته وكان رائدا في ميدانه, فإن الكتاب الثاني الرائد والذي أثار هو الآخرجدلا هو كتاب الدكتور طه حسين "الفتنة الكبرى". صحيح أن من الصعوبة تجاوز كتاب "في الشعر الجاهلي" لطه حسين والذي سبق كتاب الفتنة الكبرى لكن هذا الكتاب الذي حوكم بسببه طه حسين على غرار محاكمة عبد الرازق تراجع طه حسين عن الكثير مما ورد فيه من أحكام بخصوص إنتحال الشعر الجاهلي. لكن فيما يتعلق بكتاب الفتنة الكبرى فإنه من بين أوائل الكتب التي أخذت حيزا واسعا في الدراسات الإسلامية المعاصرة لحقبة الإسلام المبكر والتي شهدت ماسمي في وقتها فتنا بقيت مستيقظة برغم كل محاولات إطفائها. للمفكر التونسي الراحل هشام جعيط الذي نال الدكتوراه عن نشأة المدينة العربية الإسلامية ـ الكوفة نموذجا كتاب مهم حول حقبة الإسلام المبكر عنوانه "الفتنة".لست أريد عقد مقارنة بين كتابي "الفتنة الكبرى" لطه حسين و"الفتنة" لهشام جعيط ولا محاكمتهما في ضوء ما أصدراه من أحكام بشأن حقبة الإسلام الأولى التي يطلق على رجالها تسمية "السلف الصالح" لكن ما يلفت النظر هو ليس عنوان الكتابين لمفكرين من جيلين مختلفين بقدر ماهو مضمون ماطرحاه وحاكماه في ضوء معايير عصرنا وأدواته البحثية والنقدية. بمعنى إنهما تناولا واقعا كان ملموسا آنذاك وهو وجود "فتنة" بين المسلمين بصرف النظر عن طريقة كل واحد منا في فهمها والتعامل معها. ومع أن بعض فتن المسلمين التي نتواطأ دائما على إنها نائمة ونلعن دائما وأبدا من يوقظها قد تحولت الى فتن دموية كان فيها قاتل ومقتول,فإننا ومنذ ذلك الزمن المبكر والذي كان جميلا هو الآخر في عرف الغالبية العظمى من المسلمين نعزو الفتنة الى العامل الخارجي بدء من عبد الله بن سبأ و"حط إيدك" على الرغم من أن مفكرا كبيرا مثل علي الوردي يقول أن إبن سبأ كان مجرد خرافة لا أصل له ولا فصل. وبقطع النظر إن كان إبن سبأ موجود أم غير موجود فإننا دفعنا ثمنا باهظا ولعلنا مازلنا ندفع جراء "مؤامراته" المزعومة. وحيال ذلك فإنه إذا كان إبن سبأ موجود فردا وعمل فينا كل ماعمل مصيبة فإن المصيبة تكون أكبر حين يكون عمل ذلك وهو غير موجود. وفي حال كان موجودا لماذا نسمح له ونحن أمة وهو "بيس نفر" أن يعمل فينا ماعمل؟. وفي حال لم يكن موجودا كيف نسمح لمن يؤلف قصصا برؤوسنا ونصدقها أو نضطر الى التعامل معها بوصفها حقائق لايرقى اليها الشك لأن هناك من بيننا من يريد لها أن تكون كذلك. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه دائما و"يمرغلها" في وحل خلافاتنا وإختلافاتنا التي تفسد للود وعم الود وإبن خالة الود كل قضية هو متى نامت الفتنة بحيث نلعن من يوقظها؟ هل فيكم من يعطيني حقبة زمنية في تاريخنا بلافتنة؟ ثم السؤال الأهم لماذا نهرب من الفتنة وندعي إنها نائمة بل ونلعن من يريد إيقاظها بدل مواجهتها وقطع دابرها؟ لماذا نلف وندور حولها من خلال ممارسة سياسة الإنكار. لماذا نرتدي منذ 1450 سنة .. ملابس الإمبراطور؟
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha