محمد الكعبي ||
في إحدى غزوات المسلمين رجع المسلمون ظافرين بالغنيمة والنصر، إلا أن رسول الله صلى الله عليه واله لم يكن فرحا بما يتناسب والنصر ، فسأله المسلمون يا رسول الله ما لنا لا نرى الفرحة في وجهك? قال لقد رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.
بهذه الكلمة القصيرة اختصر رسول الله صلى الله عليه واله محنة الإسلاميين في كل بقاع الأرض. إنها محنة الدعاة القياديين مع المال والسلطة والشهرة والجاه والانتماء، محنة أصعب بكثير من كل حرب ونزال، هذه المحنة هي التي أسقطت بعض الصحابة الذين كانوا أصحاب سابقة في الدفاع عن الإسلام وعن رسول الله صلى الله عليه واله.
المال والجاه والسلطة أسقطت الكثير في امتحان الكفاءة فثبت أن الاغلب غير مهييّء ولايملك القابلية لتخطي الاختبار، نعم في زمن لم يكن هناك مال ولاسلطان كان الجميع يتغنى بعدل علي وزهده، لكن عندما اقبلت عليهم الدنيا رفعوا سيف المرادي ليشقوا هامة العدالة فلاكوا كبدها بأسنانهم ورفعوا المصحف فوق رؤوسهم ليستغفلوا اتباعهم وعلقوا الصليب بأعناقهم وغطوه بثوب الوطنية ليعلقوا عليه جسد الامة الممزق، فكانوا رجال أحزاب وليسوا رجال وطن، كما نبه لذلك السيد المرحوم محمد حسين فضل الله، في إحدى كتاباته مخاطبا الدعاة قال: كونوا حزب الأمة ولا تكونوا امة الحزب.
يعلم جيدا هذا العالم المثقف إن مجرد الانتماء النخبوي قد يكون عائقا أمام بلوغ الهدف الإسلامي الأعلى وغياب المشروع من أساسه، وهذه المحنة هي محنة الاتجاهات الإسلامية الأخرى، لم تتحمل الشهرة والمال والدعة وشهوة الانتصار وممارسة السلطة.
هذه الأمور جعلتهم يعيشون حالة خدر تام وخروج عن كل أدبيات التراث العلوي هذا إذا لم يحصل تشكيك في أصل تلك البديهيات العلوية بلحاظ اختلاف الزمان والمكان، كانت هذه الكبوة الأولى التي سقطت فيها أغلب النخب، إنها محنة المادة ، اللذة ، الشهوة، الشهرة ، الانتماء، السلطة وكثرة الراقصين لهم.
يقول احد إخواننا المجاهدين دخلت على احد مجاهدي السابق من أصحاب السابقة في السجون والجهاد، وقد مارس السلطة بعد أن تسنم منصبا مهماً دخلت عليه ووجدته يجلس في مكتب فاره ولديه سكرتيرة جميلة جدا ذات شعر طويل يصل إلى ركبتيها.
قلت له بالعامية حجي وين دعائكم وين التوسل والبكاء في جوف الليل? وين الأدبيات اللي كنتم تقولونها لنا في الغربة في المهجر؟
قال شنو الفائدة؟ هذا اللحم وصلنا وإحنا دردان.
يعني بعد أن سقطت أسناننا جاءنا هذا اللحم أي النساء الجميلات، هذه المقابلة اختصرت الحفرة التي وقع بها الإسلاميون في الامتحان الصعب، لقد أحدثت هذه الحفرة فجوة كبيرة بين القاعدة والقيادة ـــ كانت بداية المطرــ حيث إنها أخجلت الإسلاميين عن الحديث و الكلام في أي أدبيات إسلامية، وإن تكلموا لم يسمع أو يصدقهم أحد مما أدى إلى اختفاء مفردات المشروع الإسلامي من أساسه في كلماتهم، وفي كتاباتهم، فضلا عن عدم وجود منهج أو برنامج بل همهم الجيوب والفروج، وهذه كانت بداية الهزيمة لانهم لم يتمكنوا من بناء انفسهم ويهيئوها لمرحلة البناء والتنمية، قدراتهم المحدودة وافكارهم السطحية الساذجة والعُجب بما وصوا اليه وغيرها من الاسباب التي ادت إلى نتائج كارثية لانهم لم يكونوا مؤمنين حقا بل كان ايمان ظاهري متزلزل سقط في أول محطة من محطات السلطة وبانت العورات.
سُئل رامسفيلد عن صدام متى يمكن أن يقع في أيدي القوات الأمريكية قال: قريبا لأن صدام سياسي عادي مارس السلطة ولايمكنه مفارقة الراحة ....فمن يخلد للراحة سهل اصطياده.