حمزة مصطفى ||
مثل "اللقمة الحارة" صار لنا أكثر من عقد من السنوات نحكي عن أهمية صياغة عقد سياسي جديد بيننا كعراقيين. يستوي من حيث الحديث عن ذلك كل قادة الرأي والفكروالسياسة في البلاد. فعلى مدى هذه السنوات لاهم لنا بل لاشغل ولا عمل سوى الحديث عن كيفية صياغة هذا العقد السياسي الجديد. فلا صوت يعلو في كل بياناتنا ونقاشاتنا وتغريداتنا حتى لو كانت عن أزمة كوسوفو أو تايون أو الصاروخ الصيني التائه على صوت عقدنا السياسي الجديد. لكن هل نحن جادون فعلا في كتابة أو صياغة أو طرح عقد سياسي جديد؟ الجواب لسنا جادين ولا قادرين. كل القصة عندنا هي عبارة عن عقد نتمنى كتابته أو صياغته أو طرحه لكن كيف هو شكل هذا العقد ومن العاقد ومن المعقود بينهما. دلت التجربة أن لا أحد يملك الإرادة الحقيقية للتغيير الجذري نحو بناء مجتمع عراقي جديد بهوية وطنية جامعة.
لست أريد الظهور بمظهر المتشائم وأنا المحسوب على جماعة نصف الكأس الملآن, لكن ليس من المعقول أن يتحدث كل الناس عن العقد السياسي الجديد وكإنه مجرد إضافة مادة جديدة الى مفردات البطاقة التموينية. اليس المفروض بهذا العقد أن يكتب من قبل مفكرين نخبويين تنويرين كبار لهم صوتهم المسموع ورأيهم القادر على الإسهام في صنع السياسات والمساعدة في إتخاذ القرارات؟ هذا ماحصل في كل أوربا والأمم المتقدمة التي في الغالب يمثل دستورها الدائم عقدها الإجتماعي المتوافق عليها بين النخب أولا والذي يشيع بين الناس على شكل قوانين وأنظمة واليات عمل لتنظيم شؤون الحكم والدولة.
بلا شك ان من بين أهم الإشكاليات التي واجهتنا بعد عام 2003 هي الهوية الوطنية التي فشلنا في إعادة صياغتها بحيث تمهد بصورة طبيعية الى صياغة عقد سياسي وإجتماعي جديد. الأخطر من ذلك حصل أن تم صياغة دستور قفز كثيرا على الهوية الوطنية بحيث جاء متوافقا للهويات الفرعية إثنية كانت أم دينية. وبينما يوصف دستورنا بكثرة مايحتويه من الغام بأنه جامد فإن اللغم الأول هو تعددية صياغاته طبقا لأكثر من هوية مرة عرقية, مرة مذهبية, مرة مناطقية مماجعله يناقض بعضه بعضا في العديد من المواد. وبسبب ذلك ونتيجة له فإن همنا الوحيد وطوال 17عاما بعد التصويت المستعجل على هذا الدستور هو كيفية تعديله.
وحيث إننا فشلنا في إعادة صياغة أي مادة من مواده طوال هذه المدة فإن أي كلام عن صياغة عقد سياسي جديد يصبح مجرد حديث خرافة. مع ذلك يصر قادتنا وقت الأزمات على تذكيرنا بأهمية صياغة عقد سياسي جديد يحل كل مشاكلنا وقد يقفزحتى على مشاكل الجيران.فالأزمات في طبيعتها هي أبعد ماتكون ظرفا مناسبا لمثل هذه القضايا الكلية. ومع إننا غير قادرين على حل الأزمة عبر البحث عن جذورها فإننا سرعان مانقفز عليها بل نجعلها وراءنا دون حل ونذهب بعيدا في أهمية صياغة عقد جديد. أما حين تحل الأزمة نفسها بنفسها وهو مايحصل كثيرا فإن حماسنا يتراجع وهمتنا تخفت بشأن هذا العقد الذي نؤجل الحديث عنه الى أزمة قادمة بإنتظار .. عقد ومعقود وعاقد بينهما.
ـــــــــــ
https://telegram.me/buratha