الشيخ محمد الربيعي ||
إنَّ الامام الحسين(ع) عندما انطلق، درس كلَّ واقع الأمَّة، ودرس شخصيّة الحاكم، وذلك عندما تحدّث مع أمير المدينة، ليقول له: "إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي والتنزيل، بنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النّفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله"، وقوله "مثلي"، لا ينطلق من خلال خصوصية الحسين(ع)، بل إنّه يريد أن يقول: مثلي، أنا الذي ألتزم خطَّ الله ورسوله، أنا الذي ألتزم الإسلام، وأحمل مسؤوليّة الأمّة في استقامتها، وفي تحقيق كلّ أهدافها على أساس الرّسالة.
وكأنّ الحسين(ع) يقول للمسلمين: مثلكم في كلّ تاريخ، وفي كلّ حاضر، وفي كلّ مستقبل، لا يبايع حاكماً مثل يزيد، بل لا بدَّ من أن يبايع حاكماً يحمل رسالة الإسلام، كالحسين(ع).
لم يكن الحسين(ع) يتحدَّث شخصيّاً، بل كان يتحدّث على أساس الصّورة الرساليّة للحاكم.
ثم نقرأ في كلمات الإمام الحسين(ع) عن بني أميَّة آنذاك: "واتّخذوا مال الله دولاً"؛ إنّه يتحدَّث عن الحاكم أو الحكّام الذين يتداولون بأيديهم أموال الأمّة، الّتي هي أموال الله تعالى، التي جعل لها مصرفاً لكلِّ حاجات الأمَّة، ولم يرخّص لأحد أن يستغلّها، كما قال الإمام عليّ(ع): "لو كان المال لي لساويت بينهم، فكيف والمال مال الله؟!".
ثم قال الحسين(ع): "وعباده خولاً"، أي أنّهم استعبدوا النّاس في واقعة (الحرّة)، إذ كانت التّعليمات لوالي المدينة أن يسترقَّ أهلها، وأن يستعبدهم.
تلك كانت العقليّة والذهنيّة التي يعيشها أولئك الطّغاة والظّالمون.
ولذلك، فإنّ الواقع السياسي، والواقع الاجتماعي، والواقع الاقتصادي، وما إلى ذلك، مما كان في زمن الإمام الحسين(ع)، هو الّذي دعاه(ع) إلى الثّورة لأجل إصلاحه، ولا بدّ لنا من أن ندرس كلّ ذلك، وأن نقارن بين ظروفنا في ما يشبه تلك الأوضاع وظروف تلك المرحلة.
نحن لا نستغرق في التّاريخ لنغيب عن الواقع، ولكنّنا نأخذ من التّاريخ الفكرة والعبرة والدّرس، وخصوصاً أنّ هناك خصوصيّة في قيادة الحسين(ع)، الّتي تختلف عن أيّة قيادة إصلاحيَّة في التاريخ، وهي أنّ الحسين(ع) إمام، والإمامة امتداد لحركة النبوّة، فهو يحمل الرسالة، ويتحرّك من أجل تأصيلها وتأكيدها، وتصحيح ما حاول الآخرون أن يغيّروه فيها، والإمامة عندما تتحدّث وتتحرك، فإنها لا تعيش في مرحلتها، وإنما تتحدّث بالإسلام، وتطرح حركيّة الإسلام.
ولذلك، فإنَّ الإمامة تمتدُّ في امتداد الزّمن، وهكذا، فنحن عندما نتذكّر الإمام الحسين(ع)، فإنَّ الحسين(ع) ليس مجرَّد شخصيّة تاريخيّة، ولكنّه إمامنا، نأخذ من أحاديثه، ومن سيرته، ومن حركته، نأخذ منها شرعيّة كلّ ما نتحرّك به بشكل مماثل.
اللهم احفظ الاسلام واهله
اللهم احفظ العراق واهله