المقالات

الخطاب الإلهي وحرية التعبير..حوار الله تعالی مع حبيبه محمد (صلی الله عليه وآله)

1544 2022-10-09

د.أمل الأسدي||

 

 مادمنا بصدد تتبع الخطابات الحوارية الصادرة من الله عزّ وجلّ إلی الملائكة والأنبياءِ، وتحليل هذه الخطابات التي جسّدت الصورة المثلی لحرية التعبير، وقبولِ الآخر، وحسن الاستماع، وشفافية الحوار، فهي خطابات تؤدبُ الإنسان وتربّيه علی التحضر والتمدن والتعاملِ بلين مع الآخر،ولاسيما  من هو أعلی مقاما وأجل شأنا!

مادمنا بصدد ذلك سنتطرّق الآن الی مشاهدٍ حوارية بين الله تعالی  ورسوله الأعظم (محمد بن عبد الله) ،وقبل البدء أود أن ألفت  نظر المتلقي إلی أننا نختصُ بذكر المشاهد الحوارية وحسب، وليست وظيفتنا هنا متابعة الخطابات القرآنية العامة الموجهة الی الرسول الكريمِ،وهي خطابات تتوزع مابين  الخطاب الموجه للرسول نفسه والخطاب الموجه للأمة عن طريقه، فتارةً يكون بصيغة الأمر(قل، اقرأ)

والنهي، وتارة يكون بالضمير المخاطَبِ أوالغائب،  فالقرآنُ الكريم كتابٌ مُنزَلٌ من الله تعالی علی رسوله الأعظم،  وهو دستور إلهيّ ،وعلی هذا من الطبيعيّ أن تكثر فيه الخطابات من المرسِل(جلّ وعلا) إلی المتلقي(الحبيب المصطفی)، ولكي تتضح حرية التعبيرِ في المشاهدِ الحواريةِ بين الله ورسوله،نحتاج الی حوار فعّال ليبيَّنَ العملية التواصلية، ولايوجدُ مشهدٌ يجسِّدُ ذلك،مثل الحوار الذي جری بين الله ورسوله في الإسراء والمعراجِ، وهو حدثٌ راسخٌ في ذهنيةِ المتلقي  المسلم،  ومتفق عليه،مع الاختلاف في بعض الجزئيات وبعض التفاصيل الزمانية والمكانية، قال تعالی:((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) سورة الإسراء،الآية:١

وقال أيضا:((ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ۞فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنی ۞فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ۞مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَارَأَى ۞ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ۞وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ۞عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ۞ عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ۞ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ۞ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ۞ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى )) سورة النجم،الآيات:٨-١٨

وهذه الآيات تبين أطلس الرحلة التي سلكها رسولُ اللهِ الأعظم،وفي خضم هذا المشهد الملكوتيِّ دار حوارٌ بين اللهِ تعالی وحبيبهِ القادم إليه،فحين وصلَ الرسولُ إلی السماء السابعة حيث سدرة المنتهی،وحيث المقام الذي لم يقف فيه أحدٌ من قبل، وحتی (جبرئيل)انسحب ولم يستطع أن يتقدم خطوةً واحدةً!!

هنا نودي الرسولُ:  يا محمد

فخرّ ساجدا  وقال:لبيّكَ  ربَّ العزةِ لبيّك

يامحمد:ارفع رأسكَ،وسلْ تعطَ،واشفعْ تُشَفَّعْ،يامحمد،أنتَ حبيبي وصفييّ ،ورسولي إلی خلقي،وأميني علی عبادي.

ـ يامحمد

ـ لبيك ربي وسيدي وإلهي لبيّك

ـ  يامحمد،هل عرفتَ قدركَ عندي ومنزلتَكَ  وموضعك؟

ـ نعم ياسيدي

ـ  يامحمد، هل عرفتَ  موقعكَ مني وموضعَ ذريتِكَ؟

ـ نعم ياسيدي

ـ فهل تعلم يامحمد،فيما اختصم الملأُ الأعلی؟

ـ يارب، أنت أعلمُ وأحكمُ وأنت علّام الغيوب

ـ اختصموا في الدرجاتِ والحسناتِ

ـ أنتَ أعلم ياسيدي،وأحكم

ـ إسباغُ الوضوءِ في المكروهات،والسعي علی الأقدام إلی الجُمعات ومع الأئمة من ولدك،وانتظارُ الصلاةِ بعد الصلاةِ،وإفشاءُ السلام،وإطعامُ الطعامِ،والتهجدُ بالليل والناس نيام، ((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ))

ـ نعم ياربِّ((وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ))

ـ صدقت يامحمد((لايُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ))

- ((رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ))

[سورةالبقرة:الآيتان:285-٢٨٦]

- ذلك لك ولذريتك يامحمد

 [ ينظر بحار الأنوار،المجلسي:١٨/ ٥١٦ -٥١٩]

هنا توقف عزيزي المتلقي، فالحوار ملكوتيٌّ أخضر، يضجُّ أدبا وذوقا وخُلقا، ويعكسُ كرما ومحبةً ورفعةً ومقامًا لم  يصلْ إليهِ نبيٌّ أو ملَكٌ، هنا الحوارُ مختلفٌ، والعملية التواصلية مختلفةٌ،ترحيبٌ من الباري جلّ وعلا، يردُّ عليه المصطفی بالسجود !

فيناديه اللهُ أن ارفع رأسك وتحدث، اطلبْ ما شئت تعطَ!!

فالحوار تجلٍّ  لقوله تعالی: ((وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)

سورة القلم،الآية :٤

فعلی الرغم من لين الخطاب ،وعلی الرغم من الحفاوة،وعلی الرغم من النداءات المتكررة باسم الرسولِ والتي جسدت حال التقربِ والتلطفِ  والتحبب والاهتمامِ من الله تعالی بحبيبه المصطفی،  إلا أننا نجد أن الرسولَ الكريم يختارُ طريقا مثلی للرد، مختزَلة ومكثفة،وفي أعلی درجات الأدب والخُلق والذوقِ والإيمان واللياقة، فلم يجتهد ويطلبُ لنفسه وأهله،ولم يرد إلا علی مقدار السؤال!

وفي هذا المحتوی يتضح معنی" حرية التعبير حقٌ ومسؤولية"ويتبين التنظيم والتقنين لحرية التعبير،فلا إفراط ولاتفريط!

لا أنا مغمورة ولا أنا متورمة، بل توازن وحكمة وشجاعة واعتدال يحفظُ شخصيةَ الإنسانِ ويضمنُ حريتَه التي وهبها الله له،الله الذي قدم دروسًا واضحةً لتربية عبادهِ،والسعي الی السمو والرقيّ في سلوكنا وفي حوارنا مع الآخر،فلابد من قناعةٍ تامةٍ بأنّ الإنسان لايكتمل وجوده إلاّ بوجود أخيه الآخر!

إذن؛ حرية التعبير سلوكٌ حضاريٌّ وحقٌّ مشروع، إلاّ أن كلَّ المفهوماتِ الأخلاقية والمصطلحات القيمية تظل  عائمةً، مبعثرةً، ما لم يوجد وعاءٌ قانوني جامعٌ مانعٌ، يضمن تحقيقها وإنزالها حيز التطبيق، وعليه لابُد من استلهام مضامين حرية التعبير الواردة في القرآن الكريم،  وتحويلها إلی نصوص قانونيةٍ مُلزِمة للجميع، ذلك خير من البحث عن قوانين غريبة عن جسد حياتنا الواقعية بكلِّ مفاصلها.

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك