كندي الزهيري ||
على الرغم من أن تعاريف كثيرة قدمت عن «الحضارة» أو «المدنية» واثيرت تعليقات حولها بمقتضى نوع الرؤية إلى المسائل الثقافية، لكن يجب التأكيد على أن «الحضـارة» تمثـل الـوجـه الصـوري والمادي للحياة الانسان على الأرض. وهي مصداق خارجي وموضـوعي للثقافـة، وكـل قنـاعـات ومعتقدات شعب ما في إطار علاقاته المادية.
وبرغم أن بناء المدن والسكن واللباس والتعامل والتبادل التجاري وباقي العلاقات الإنسانية، لها وجه أخلاقي وثقافي، لكن وجهها الخارجي يستحدث «حضارة» شعب ما. الحضارة التي تحتضن بداخلها كل خصائص وميزات النظام الأخلاقي والثقافي لذلك الشعب، من الناحية القيمية، وفي ظل مكانة الصورة المادية للحياة فإن «الحضارة » يمكن دراستها في ذيل «الثقافة» وتقع بعد الفكر والثقافة، بحيث أن جسم الانسان، متأثر بمتنياته ورغباته النفسانية، و اعماله وسلوكياته ، تظهر جانبا من تلك التمنيات . إن الطوب والقرميد والحنين هي مواد فحسب يصنع منها هيكل معين على يد بناء بارع. لكن المعمار هو الذي رسم في صفحة ذهنه شكل وتصميم اليد، بناء على انطباعه عن الكون والثقافة التي يعيشها. ولا يفرق أن كان المعمار أو مصصم المدن أو مصمم الازياء ، فهم يعرضون ما يكنونه بباطنهم أثناء إبراز قدراتهم وإبداعاتهم، لذلك فانه عندما تصبح ثقافة ما شاملة وعارمة وتسود أخلاق خاصة قومة ما ، فإن جميع مكونات الحضارة تنطق سوية. فالمعمار يكرر ما تنطق به المدن وكلاهما یسایران نوع اللباس والخ. لنلقي نظرة على الحضارة المعاصرة، إلا نسمع صوتا موحدا ونغمة متجانسة تنبعث من المدن الحديثة والشقق الفخمة والملابس الفاخرة والسيارات الفارهة وباقي الأدوات والأشياء التي يستخدمها الإنسان؟! وإلا تشبه المباني القديمة المتبقية من العصور السالفة أو التقليدية المنتمية إلى الحضارة الغابرة، آلة موسيقية تعزف نغمة مختلفة ، وتحـدث تعارضـا فـي الوضع القائم؟! ويدرك الجميع هذا التعارض ، وهذا التعارض وقبل أن يكون متعلقا بشكل البناء، يعود إلى الوجه الثقافي، وهذا التعارض الثقافي الجوهري هو الذي يسبب أزمة على صعيد التاريخ . نفسه و في مطلق الأحوال يجب القول بان الحضارة هي الوجه المادي لحياة الإنسان ، والثقافة الروح التي
تنفخ في جسد الحضارة لتبعث فيه الحركة.
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha