الشيخ محمد الربيعي ||
حدّث العالم الفقيه آية الله الحاج السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) في تاريخ 27 ذي الحجة الحرام سنة (1416) ضمن حديثه عن عظمة شخصية أبي الفضل العباس (عليه السلام): رأى أحد العلماء في عالم المكاشفة قمر بني هاشم أبا الفضل العباس (عليه السلام) وقال له: سيدي إن لي حاجة فبمن أتوسل حتى تقضي حاجتي؟
فأجابه (عليه السلام): توسل بأمي أم البنين (عليها السلام).
محل الشاهد :
قال الإمام الصادق (ع): (أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا).
إن إحياء ذكرى أم البنين (عليها السلام) وذكرى المعصومين (عليهم السلام) وذويهم ومن إليهم، كالعلماء والصالحين والصالحات، من أهم ما يلزم، وذلك لأجل تنظيم الحياة تنظيماً صحيحاً يوجب سعادة الإنسان في دنياه وآخرته.
فمثلاً في ذكرى أم البنين (سلام الله عليها) تتذكر النساء هذه المرأة الطاهرة، العفيفة الشريفة، الحافظة لنفسها، الذاكرة لله واليوم الآخر، المديرة لبيتها، المراعية لحقوق زوجها، المربية لأولاد صالحين و...
فتتعلم منها وتقتدي بها، فلا يكوننَّ مبعثرات ولا مطيعات للشيطان ولا مهملات في الحياة الزوجية أو في تربية الأولاد.
وبذلك تسعد المرأة التي تلقت الدروس من مدرسة أم البنين (عليها السلام) واتبعتها، ويسعد بها غيرها من أولادها وذويها، فيكون الإحسان عائداً لنفسها قبل غيرها، قال سبحانه: (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها).
ولاشك أن ذكرى أم البنين (عليها السلام) وذكرى العظماء رجالاً أو نساء، موجب للأجر والثواب فقد ورد: (من ورخ مؤمنا فقد أحياه)، فكما أن إحياء الإنسان يوجب الخيرات، كذلك إحياء ذكراه، قال تعالى: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).
بالإضافة إلى أن ذكرى الأخيار والخيرات تملأ النفس الإنساني بالصحيح النافع والمنهج المسعد، والعكس بالعكس، وعندئذ تعكس النفس التي تلقت الذكرى شيئاً من تلك الأسوة.. إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
وهذا تكليف على كل إنسان بقدر وسعه، قال سبحانه: (لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها).
وقال الشاعر:
وكل إناء بالذي فيه ينضح
وقد ذكر العلماء بأن حال النفس حال المعدة، فتملأ تارة بالطعام الصحيح وتارة بالفاسد، وملؤها بالصحيح يصلح لها الدين والدنيا، وملؤها بالفاسد يفسد عليها الدين والدنيا.. في الفرد والمجتمع.
فالذهن يجب أن يملأ بالعقيدة، إما الصحيحة وإما الفاسدة، فإذا لم يمتلأ بالعقيدة الصحيحة امتلأ بالباطلة، وهكذا حال العادة صحيحة كانت أو باطلة.
وعلى أي حال فسيرة العظيمات تربي العظيمات، بل وحتى العظماء في الأمور المشتركة كالعبادة والزهد والتقوى، فسيرتهن تربية للرجال والنساء.. والبنين والبنات.. للبشرية جمعاء.
محل الشاهد :
ان السيدة ام البنين الكلابية أم أشبال أمير المؤمنين عليه السلام لم تكن امرأة عادية كسائر النساء، بل كانت من أولياء الله تعالى وكانت تقدم أبناء الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام على ابناءها وهي علمتهم ان لا سواء بينكم وبين الامام الحسن والامام الحسين والسيدة زينب عليها السلام، فموتوا دونهم ولا تقولوا ان ابانا أمير المؤمنين وقدمتهم بكل سخاء لتنال بذلك رضا الله ورضا نبيه وتكون مُبيّضة الوجه غداً عند فاطمة الزهراء عليها السلام تزف أولادها الاربعة الى اعراس المنية وهي تعلم انهم يسبحون كالاقمار في غدير الدماء تتعامل مع الامام الحسين (ع) باعتباره الامام المفروض عليها طاعته انها لم تخرج بجسدها مع الركب الحسيني الى كربلاء إلا انها اخرجت افلاذ كبدها وقد ذابت هذه السيدة الجليلة في ولائها لأهل البيت عليهم السلام وتمسكت بهداهم وبآثارهم حتى صارت من أولياء الله المقربين وصارت من السابقين في هذا الميدان حتى صارت ذا جاه عريض وعظيم عند أهل البيت عليهم السلام وعند الله تعالى.
هي من أبواب الله وزوجة خير خلق الله بعد النبي (ص) عاشت في كنف سيد المسلمين وفي ظل بيت ضم قبلها فاطمة الزهراء سيدة النساء عليها السلام ومن ثم ضم الامام الحسن والامام الحسين والسيدة زينب عليهم السلام، وانها كانت امرأة ولدتها الفحول من العرب من ذوي البيوت والحسب والنسب، ام البنين هي تلك المرأة التي كان يريدها الامام علي عليه السلام وعاشت بعد امير المؤمنين ولم تتزوج من غيره ولم يعرف التاريخ ان شريكة تخلص لابناء شريكتها وتقدمهم على ابنائها سوى هذه السيدة الزكية فقد كانت ترى ذلك واجبا دينيا وروي انها لما زفت الى بيت الامام علي عليه السلام وجدت الامامين الحسن والحسين عليهما السلام مريضين فأخذت تمرضهما وتقوم برعايتهما وتلاطفهما بالقول حتى عوفيا من مرضهما وطلبت من الامام ان يعهد الى أهل بيته ان لا يدعوها أحد بعد ذلك باسمها (فاطمة) مخافة ان يتذكر ابناء فاطمة الزهراء عليها السلام امهم فيتجدد حزنهم فدعاها أمير المؤمنين بأم البنين وهي كانت كالام الحنون لهم ولا بدع في ذلك فانها شريكة الامام المعصوم الذي قد استضائت بأنواره وربت في روضة أزهاره
واستفادت من معارفه وتأدبت بآدابه وتخلقت بأخلاقه.
لقد جعل الله سمية فاطمة الزهراء وأم أشبال امير المؤمنين باباً من أبواب رحمته ما قصدها أحد إلا ونال قصده، وما توجه بها الى الله عز وجل إلا أعطي سؤله ومن شاء فليتوسل الى الله بها ليعلم صدق ذلك.
فالتوسل بها والتبرك بتراب قبرها والسفرة وما يتعلق بطعام الطعام للمؤمنين سواء كان في الولادات او الوفيات للائمة وغيرهم من اولياء الله كام البنين عليها السلام كلها صحيحة .
في الختام نذكر كرامة من كرامات السيدة الجليلة ام البنين ( عليها السلام )
شفاء بعد اليأس والاغماء
كتب سماحة السيد جواد الموسوي الزنجاني امام جمعة حي القدس في العاصمة طهران أن ابنته عادت من المدرسة ذات يوم وتعاني من ألم شديد في رأسها، فأخذناها فورا الى الطبيب (الدكتور شمس)، ولكن مع الأسف لم يشخص مرضها وأعطاها أدوية ومسكنات وقال إن تدهورت حالتها الصحية انقلوها إلى مستشفى (سيناء)فأنا هناك.
وفي منتصف اليل ساءت صحتها وإلى أن تم نقلها إلى المستشفى دخلت في الاغماء واشتد بنا الخوف والقلق على حياتها. فاجتمعت اللجنة الطبية واستدعت أيضاً من خارج المستشفى بعض الأخصائين لدراسة الموقف.
وتبين بعد ذلك انها مصابة بالتهاب شديد في المخ. واستيأس الاطباء بعد معرفتهم لهذا المرض الخطير، وأدى يأسهم إلى ارتفاع أصوات البكاء والعويل في العائلة، صغيرنا وكبيرنا أجهشوا بالنحيب، وتدخل وزير الصحة وأوصى اللجنة الطبية ببذل كل الممكن مع الرعاية والدقة الكافية لإنقاذ إبنتي من الموت. ورغم كل الجهود كانت إبنتي مستمرة في الإغماء والأمل في شفائها ضعيف بل عديم طبياً، استمرت هذه الحالة اسبوعاً واحداً حتى صادفت نهاية الاسبوع ليلة تاسوعاء. فلما فقدت الأمل من المستشفى وكانت العائلة تستعد للعزاء فلا تهدأ من الحزن والبكاء، هنالك قمت إلى الصلاة بقلب حزين منكسر، فصليت ركعتين وقرأت بعد السلام مائة مرة صلوات على النبي محمد وآله وأهديت ثوابها إلى السيدة أم البنين عليها السلام، أم السيد أبي الفضل العباس قمر بني هاشم عليه السلام ثم خاطبتها قائلاً: بما أن الولد الصالح مطيع لأمه، فإني أطلب منك أيتها المرأة العظيمة يا زوجة أمير المؤمنين علي عليه السلام أن تطلبي من ولدك باب الحوائج بأن يأخذ من الله تعالى شفاء ابنتي.
وعند الصباح رن الهاتف .. قال أحد المسؤلين في المستشفى أن ابنتكم خرجت من الإغماء وصحتها جيدة جداً وليست كأنها مريضة.
أسرعنا إلى المستشفى، فرأيناها في صحة كاملة وهذا في الوقت الذي كان الأطباء قد أكدوا أنها حتى اذا شفيت باحتمال واحد في الألف فسيذهب عنها بصرها وسمعها أو تقع مشلولة. ولكن من بركة باب الحوائج فإن ابنتي خرجت سالمة من غير نقص ولا أي أثر لتلك الأزمة في بدنها، والآن هي متزوجة ولديها طفلان على أحسن ما يكون.
ومن الجدير بالذكر أن إحدى النساء الصالحات من الجيران قد رأت في الرؤيا في تلك اليلة من توسلي بالسيدة أم البنين عليها السلام أن أبا الفضل العباس قد شافا إبنتي وقال لها: بأن السيد الموسوي قد وسط والدتي لتطلب مني شفاء ابنته.
فلقد طلبت من الله شفاءها، واني أوصيه أن يهتم بالمعزين.
وهكذا فإني امتثالا ً لتوصية سيدي أبي الفضل العباس أقدم لمواكب العزاء في يوم تاسوعاء سنويا ما يمكنني من الخدمة، ومنها أنهم يأتون الى منزلي سنويا ًويستلمون ذبيحتين.
والله لا يحرمنا من بركاتهم في الدنيا والآخرة
لقد اشتمل العبّاس بالوفاء ، و اشتمل به الوفاء..
وتسربل بالايثار ، وتسربل به الإيثار..
وتخندق بالشّجاعة، وتخندقت به الشّجاعة..
لقد مثّل كل الفضائل، فتمثلت كل الفضائل فيه.. و زادت في القيم، قيمة جديدة اسمها:
"العباس"
اللهم احفظ العراق و اهله
اللهم احفظ العراق و شعبه
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha