المقالات

القواعد القرآنية للمجتمع التوحيدي ح13 ج1// القصاص حياة


الشيخ طالب رحمة الساعدي ||

 

رحلة تدبّرية مع خطاب " ايها الذين امنوا ....." في مضان بعض التفاسير

 

القصاص على وزن فعال من قصّ أي تتبّع الأمر و الخبر، ثم استعمل في تتبّعه الجرح و الدم، و يترتب عليه من المعاملة بالمثل من القتل و القطع و في جبر كل ضرر حتى في قصاص المال و تقاصّه .

آية القصاص نزلت في قوم كان الانتقام متبعا بينهم بأقبح الصور، فقد كانوا يقتلون لواحد جماعة و ربما قتل الحر بالعبد أو الرجل بالمرأة، و الرئيس بالمرؤوس، بل ربما وقعت حروب و غارات بسبب قتل‏

حيوان من قوم ذوي منعة و شرف، و كان المناط كله على قوة القبائل و ضعفها، و المتبع هو القتل و الانتقام، و الاقتصاص من دون أن يكون في البين قانون يحدده أو قواعد تهذب تلك العادات كما هي عادة الأقوام البدائية و الشعوب الهمجية.

نزلت آية القصاص و لم يكن أحد يعرف الصلح و الوئام بدل القتل و الانتقام، و كان ذلك تشديدا منهم على أنفسهم؛ كما يستفاد من ذيل الآية الشريفة قال تعالى: ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ رَحْمَةٌ.

و من المعلوم أنه لا ينكر أحد أنّ حب الانتقام طبيعة من طبايع الحيوان فضلا عن الإنسان، و ان دفع التعدي غريزة من غرائزه، و أنّه على ذلك مجبول و مفطور.

كما أنه ليس ثمة من ينكر أن العفو و الرحمة غريزة أخرى من غرائز الإنسان بها يحنو على بني نوعه، و يدفع عن أهله البلاء و يكافح في سبيلهم العيش و الرفاه.

و بحسب تلك الأسس و الغرائز نزلت آية القصاص؛ و قررت تشريع حق الاقتصاص لولي الدم، و أهدرت دم الجاني لولي المجني عليه فقط، و مهدت له السبيل و أمكنته كل التمكين من القصاص بشروط خاصة لإشباع غريزة الانتقام في الإنسان فكان ذلك أول خطوة في تهذيب هذه الغريزة.

لكنه تعالى لم يغفل عن الغريزة الأخرى الكامنة فيه فحبّب اليه العفو بمختلف الأساليب فتارة: رغب اليه العفو بأخذ الدية و أداء اليه بإحسان. و أخرى: بالثواب في الآخرة، و رضاء اللّه تعالى، و العفو و المحبة للمحسنين، قال تعالى: فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ‏ [سورة الشورى، الآية: 40]، و قال تعالى: وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ‏ [سورة آل عمران، الآية: 134].

و لقد راعى الإسلام في هذا التشريع جميع من يهمه هذا التكليف القاتل، و المقتول، و وليه، و المجتمع، و الصالح العام، فحكم بالمعادلة بين‏ القاتل و المقتول، فقال عزّ و جل: الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى‏ بِالْأُنْثى‏ فحفظ بذلك التهجم على الدماء، و وقف الإسراف في القتل.

و اهتم عزّ و جل بالجانب التربوي فحبب إلى الإنسان الرحمة و العطف و رغّب النّاس على نبذ مسلك الانتقام و الوعد لمن راعى هذا الجانب بعظيم الأجر و الإحسان.

و لذلك كان هذا التشريع موفقا كل التوفيق في رفع الخصام، و حلول الصلح و الوئام الذي هو السبب في حفظ الأمن و النظام هذا بالنسبة إلى الإسلام.

أما بالنسبة إلى سائر التشريعات الإلهية فإنّها تختلف بين إثبات تشريع القصاص و الإلغاء؛ ففي التشريع اليهودي اعتبر الحكم في الجنايات هو القصاص و لم يسنّ للعفو و الدية أحكاما إلّا في حالات معينة راجع ما ورد في التوراة في الفصل الحادي و العشرين، و الثاني و العشرين من سفر الخروج، و الخامس و الثلاثين من سفر العدد، كما حكى عنها القرآن الكريم، فقال تعالى: وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ‏ [سورة المائدة، الآية: 48].

و أما التشريع في الدين المسيحي فلا يرى في مورد الجنايات إلّا العفو و الدية، و ليس للقتل و القصاص فيه سبيل إلّا في موارد خاصة.

و أما سائر التشريعات، سواء كانت وضعية أو غيرها فهي تختلف في هذا الحكم، و لا يمكن جعلها تحت ضابطة كلية، و إن كانت لا تخلو عن القصاص في الجملة.

و مما ذكرنا يعرف أن الإسلام اختار الطريق الأمثل و سلك مسلكا وسطا بين الإلغاء و الإثبات، فحكم بالقصاص و لكن ألغى تعيينه فأجاز العفو و الدية، و لا حظ جميع جوانب هذا الحكم و أحكمه أشد الأحكام و سدّ باب الجدال و الخصام، و أبطل شبهات المعترضين.

وبعبارة صاحب تفسير الامثل " النظرة الإسلامية نظرة شمولية في كل المجالات، قائمة على احتساب جميع جوانب الأمر الذي تعالجه. مسألة صيانة دم الأبرياء عالجها الإسلام بشكل دقيق بعيد عن كل إفراط أو تفريط، لا كما عالجتها الديانة اليهودية المحرّقة التي اعتمدت القصاص، و لا الديانة المسيحية المحرّفة التي ركزت على العفو ... لأن في الاولى خشونة و انتقاما، و في الثانية تشجيعا على الإجرام.

و لو افترضنا أنّ القاتل و المقتول أخوان أو قريبان أو صديقان، فإن الإجبار على القصاص يدخل لوعة اخرى في قلب أولياء المقتول، خاصّة إذا كان هؤلاء من ذوي العواطف الإنسانية المرهفة. و تحديد الحكم بالعفو يؤدي إلى تجرّؤ المجرمين و تشجيعهم........ يتبع

 

ـــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك