الشيخ محمد الربيعي ||
اعظم الله اجر الامام الحجة بن الحسن المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريفة ) والامة الاسلامية ، بذكرى شهادة الامام علي الهادي ( ع ) ...اما بعد :
كان الأئمّة (ع) يعيشون مع القاعدة في السّاحة، ولم يعش أحد منهم في برجٍ عاجيّ، ولذلك كان الخلفاء يحملون العقدة ضدّهم، من خلال هذا الامتداد الشعبي الذي يملكونه في الأمّة، لأنّ أمثال هؤلاء الخلفاء، ولا سيّما من بني العباس، لا يريدون لأيّ رمز إسلاميّ كبير أن يحصل على هذه الثقة الممتدّة في الواقع الإسلامي، وخصوصاً إذا كان الرّمز ممن يعتقد فريق من الأمّة بإمامته، إن المسألة تتحوّل عند ذلك إلى خطر على الكرسي وعلى الملك.
ولذلك، لو درسنا تاريخ أكثر الأئمّة (ع)، لرأينا الجواسيس تحيط بهم من كلّ جانب، ممن قد يخبرون صدقاً، وممن قد يفترون كذباً، ورأينا أنّ الحاكمين آنذاك يعملون على التعسّف في تصرّفاتهم معهم، فقد يسجنون إماماً هنا، وقد يحصرونه في بيته هناك، وقد يستقدمونه من بلده إلى أماكن سلطتهم ليكون تحت رقابتهم، حتى إنهم كانوا يبعثون بجماعتهم أو بموظفيهم ليهجموا عليهم في منتصف اللّيل، كما فعلوا ذلك مع الإمام الهادي (ع)، حيث وُشِيَ به إلى المتوكّل بأنّ لديه أموالاً وأسلحة.
ودخل الزبانية عليه في اللّيل، وكان يصلّي لربّه في صحن الدار، وعندما أحسّ بهم، تحدّث معهم برفق، كأنه خاف عليهم أن يسقطوا وقد جاؤوا متسلّقين الجدار، فقال لهم اصبروا حتى أبعث إليكم سراجاً، ثم قال لهم دونكم البيوت ـ أي الغرف ـ ففتّشوها. ولم يجدوا إلا كتب العلم والمصاحف وما إلى ذلك.
وهكذا عانى الإمام الهادي (ع) الكثير من خلفاء بني العباس، فقد عاش مع المعتصم في بقية خلافته، ثم بعد ذلك، عاش مع أكثر من شخص من هؤلاء، كما يتحدّث "ابن الصباغ المالكي" في "الفصول المهمة"، أنه عاش مدّة في بقية ملك "المعتصم"، ثم مع "الواثق" خمس سنين وتسعة أشهر، ثم مع "المتوكل" أربعة عشر سنة، ثم مع ابنه "المنتصر" ستّة أشهر، ثم مع "المستعين" ابن أخ المتوكّل ثلاث سنين وتسعة أشهر، ثم مع "المعتزّ"، وهو ابن الزبير بن المتوكّل، وقد استشهد في آخر ملكه، لأنه (ع) كما جاء في "الفصول المهمة"، مات مسموماً.
عاش الإمام كلّ حياته تلك معلّماً هادياً مرشداً، يحتضن الناس كلّهم في كلّ مواقع بؤسهم ليساعدهم، ولذلك، لما جاء رسول المتوكّل إلى المدينة ليحمله إلى بغداد، قال المؤرّخون وهم ينقلون عن الشخص الذي أرسله المتوكّل: "ضجّت المدينة ضجةً واحدة، لأنهم خافوا على الإمام"، وكان يتحدث في ذلك، فيقول عن ترحيل الإمام: "كما لو كانت السّماء قد أطبقت على الأرض"، وحاول أن يطمئنهم بطريقة وبأخرى، وعمل المتوكّل ـ كما أشرنا ـ على أن يتعسّف به بين سجن تارةً، وبين محاولة إضعاف موقعه وما إلى ذلك...
محل الشاهد :
وهكذا، لو درسنا تاريخ أهل البيت(ع)، لرأينا الامتداد في كلِّ الواقع الإسلاميّ موجوداً في حياة كلِّ إمامٍ من أئمة أهل البيت(ع)، فإنهم عاشوا حياتهم مع الناس وهم المعصومون من قِبَل الله، والمعصومون في أنفسهم، فلم يُنْقَل في تاريخ أحدٍ منهم أيُّ خطأ في قول أو فعل أو عمل، ولذلك كانت عصمتهم تتحرّك من خلال الصورة التي أشرقت في حياتهم وفي حياة الناس كلِّهم.. وهذا هو الذي يجعلنا نلتزمهم التزام الروح والعقل والفكر، وأن نعيش في خطِّ إمامتهم، فلا يبقى لنا مجرّد الحبِّ والولاء، بل نتّبعهم في كلِّ ما يقولون وما يفعلون، لأنَّ الله تعالى أعطاهم ملكات قدسيّة استطاعوا من خلالها أن يكتشفوا الكثير مما يخفى على الناس، واستطاعوا الحصول على الكرامات التي ينقلها المؤرخون في حياتهم، مما لا يحدث إلا لأولياء الله تعالى.
وينقل المؤرخون أنَّ المتوكل عندما حبس الإمام الهادي(ع) ودفعه إلى علي بن كركر، قال(ع): "أنا أكرمُ على الله من ناقة صالح، تمتّعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعدٌ غيرُ مكذوب"(25)، فلما كان الغد أطلقه المتوكّل، وفي اليوم الثالث وثب على المتوكل ثلاثةٌ من قادة العسكر فقتلوه وأقعدوا ولده المنتصر خليفة..
فعلاقتنا بأهل البيت(ع) إنما هي من خلال علاقتهم بالله ورسوله، لأنَّهم عبدوا الله حقَّ عبادته، وأطاعوه حقَّ طاعته، وجاهدوا في سبيل الله، ودعوا إليه سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة، ولذلك، فإنَّ الولاية لأهل البيت(ع) تعني أن نتّبعهم في كلِّ ما قالوه وفعلوه، واتّباعهم هو باتّباع الإسلام الحقّ الذي بيّنوه وعرّفوه لنا في كلِّ المفاهيم التي أطلقوها.
وعلينا ونحن نسير معهم ونتّبعهم، أن نستوثق من كلِّ حديث يُنْسَبُ إليهم، فلا نقبل كلَّ حديث يرويه من نعرفه ومَنْ لا نعرفه، بل لا بدَّ لنا أن نعرفه بالمستوى الذي نعرف فيه أنَّه الحقّ.
اللهم احفظ الاسلام و اهله
اللهم احفظ العراق و شعبه
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha