منهل عبد الأمير المرشدي |
اصبع على الجرح ..
شعب العراق شعب مبتلى وقوم حيارى مغلوبين على امرهم . هم الأغنى في الثروات والأفقر في الأحوال . هم الأذكى عقولا وكفاءات وإبداع لكنهم الأكثر بطالة وفوضوى وخوفا من المجهول . شعب يستحق العطف والشفقة .
لا نعرف ما نريد ولا ندري كيف نعّبر عن ما نريد . شعب قضى عمره جيلا بعد جيل من حرب الى حرب وفق نظرية القائد الفلته ( الحياة بلا طعم من غير مكاون وياحوم اتبع لو جرينه). وحاربنا ثم حاربنا و( تكاونّا ) حتى تعب الحوم وغدونا مضربا للأمثال .
تفرعن العملاء وعاث في حرثنا ونسلنا الأدعياء وتسلط علينا السفهاء حتى وكأن الأرحام قد عقمت وأشباه الرجال تسلطنت وكل ما نرجوا خيرا بالخلف يغدو ادهى واتعس من ذاك السلف ! يقال والعهدة على ذمة القائل إن بقرة في بيت أحد المشايخ أدخلت رأسَها في (بستوكة) من الفخار ولم تستطع إخراج رأسها منها ،
حاولت العائلة إخراج رأس البقرة من البستوكة فلم يستطيعوا لأنهم لا يريدوا إيذاءها ولا يريدوا كسر البستوكة لإنها من الفخار المصقول وغالية الثمن فاحتاروا بأمرهم وتعددت الخيارات وكثرت الآراء وذاع صيت المشكلة في كل أرجاء القرية فاتجهوا إلى مختار القرية لحل المشكلة وكان رجلا حكيما كلامه مسموع وصوته يعلوا فوق كل صوت .
طلب منهم المختار أن يشرحوا له الأمر بالتفصيل فشرحوا له واقعة الحدث الجلل في كيفية ادخال البقرة لرأسها في البستوكة .
صمت المختار دقائق معدودة وتحسّر ودمعت عيناه عطفا وحكمة وقال لهم إقطعوا رأس البقرة . لم يرّد عليه أحد منهم والتزم الجميع بتنفيذ ما أمر به فأمره مطاع في كل الأحوال فقطعوا رأس البقرة .
عادوا الى المختار أكثر حزنا وحيرة وهم مصدومين لبقاء كل شيءعلى حاله رغم انهم خسروا البقرة وذبحوها وقطعوا رأسها فقالوا له : يا مختار ، الرأس ما زال في البستوكة ولم يخرج . صمت المختار وفكر طويلا وأعتكف داعيا مناجيا مغمض العينين ثم قال لهم إكسروا اليستوكة.
استجاب القوم لرأي المختار فكسروها واستطاعوا إخراج رأس البقرة وعمّت الأفراح واحتفل البعض برمي الإطلاقات النارية والألعاب النارية والتصريحات النارية لكن المختار جلس حزينا صامتا متأملا وأشعل سيجارته ورفع رأسه إلى السماء وهو يتمتم بكلمات لا يفهمها الا الله والراسخون في العلم .
التف حوله أهل القرية مندهشين متعجبين وقالوا له : لا تحزن يا مختار فالبقرة فداء لك والبستوكة فداء لك ونحن فداء لك فلماذا انت حزين ؟ فرد عليهم والدمع ينهال من عينيه ليس هذا هو ما يحزنني أو يشغلني ، ولكني قلق عليكم ولا أعرف كيف كنتم ستحلون مشاكلكم من دوني !
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha