المقالات

رأُيت الجمال في موقف المحن


الشيخ محمد الربيعي ||

 

عندما نذكر  السيدة زينب ، نستحضر قوّة إيمانها وتسليمها، وعدم زعزعة عقيدتها عندما حاول ابن زياد أن ينسب ما ارتكبته يداه إلى الله قائلاً شامتاً مستهزئاً: كيف رأيت فعل الله بأخيك وأهل بيتك؟ قالت: «ما رأيت إلا جميلاً. هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم».

لقد أرادت أن تؤكّد بذلك رضاها بقضاء الله وقدره، فكلّ ما عند الله خير، عندما يُنعم وعندما يبتلي، تحمده في السرّاء والضرّاء.

عبارةٌ صدحت بها السيدة زينب (ع) بعدما سألها الطاغية عبيد الله بن زياد عن صنع الله بالحسين وآله، فتمنى أنّه لو لم يسألها؛ لما لاقاه مِن جوابٍ بنبرةٍ روحيّة، ورباطةٍ عقائديّة، ونبراتٍ بلاغيّة.

ومن هنا سوف نسلط الضوء على هذه العبارة في ثلاث نواحي:

▪️الناحية الأولى: الناحية الرّوحيّة

إنّ الوصول إلى الكمال الرّوحي يتطلب تحمل المشاق، والتسليم المطلق لله سبحانه، والذوبان في هيمنته وسلطنته جلّ شأنه، فالإنسان وإن كان مجبولاً في فطرته على حب الوصول إلى الكمال، إلاّ أنّ التعلّقات الدنيوية التي تطرأ عليه عرضاً تجعله محجوباً عن الوصول.

وها هي السيّدة قد نالت ما نالت من فيوضاتٍ، وهيّمت قلبها لإرادة الواحد القهّار، وتركت التأثر بالعالم الماديّ لأهله، واعشوشب زهرها في ما فوق ذلك العالم، فأصبحت من خواص الله خلقاً، وأثمرهم عطاءً.

(ما رأيتُ إلاّ جميلاً) عبارةٌ ذات أربعة عشر حرفاً دلّت عباد الله على الله، إذ أعتقد أنه لم يكُ هدف السيّدة (ع) أن تبيّن للطاغية والحاضرين مدى رضاها بقضاء الله سبحانه وحسب، بل كان لها هدف سامٍ آخر ألا وهو: أن تدلّهم على الله وترسّخ محبتهم له سبحانه، حيث نقرأ في الزيارة الجامعة الكبيرة: " اَلسَّلامُ عَلَى الدُّعاةِ اِلَى اللهِ، وَالاْدِلاّءِ عَلى مَرْضاة اللهِ، وَالْمُسْتَقِرّينَ في اَمْرِ اللهِ، وَالتّامّينَ في مَحَبَّةِ الله".

وجاء في مقطعٍ آخر: "اِلَى اللهِ تَدْعُونَ، وَعَلَيْهِ تَدُلُّونَ، وَبِهِ تُؤْمِنُونَ، وَلَهُ تُسَلِّمُونَ، وَبِأَمْرِهِ تَعْمَلُونَ، وَاِلى سَبيلِهِ تُرْشِدُون".

ومنبع تصرّفها هذا هو حبّ الله سبحانه، حيث روي أنه : "اوحـى اللّه تعالى إلى بـعـض الصدّيقين: إنّ لي عباداً مِن عبادي يحبونني واُحبهم، ويشتاقون إليّ وأشتاق إليهم، ويذكرونني وأذكرهم، ... أقل ما اُعطيهم ثلاثاً:

▪️الاول : أقذف من نوري فـي قـلوبهم فيخبرون عنّي كما اُخبر عنهم.

▪️والثاني : لو كانت السماوات والأرضون وما فيهما في مـوازيـنهم لاستقللتها لهم.

▪️والثالث : أقبل بوجهي عليهم، أ فتُرى من أقبلتُ بوجهي عليه يعلم أحد ما اُريد أن اُعطيه؟!"، فقذف سبحانه في قلبها التفويض المطلق ووجدها صابرة.

ويعدّ صبر السيّدة (ع) مِن صبر العارفين بالله سبحانه، إذ الصبر على مراتب، وصبر العارفين معناه أنّ لبعض خلق الله التذاذاً بالمكروه لتصوّرهم أنّ معبودهم خصّهم به من دون الناس، وصاروا ملحوظين بشريف نظره (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ *أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).

▪️الناحية الثانية: الناحية العقائديّة

تعتقدُ السيّدة بما يعتقده آباؤها ( ع) بأنّ الله تعالى عادلٌ لا يحيف في حكمه، حكيمٌ في تدبيره، لا يفعل عبثاً؛ لاستلزامه القبيح.

ومِن هنا وصفت فعل الله سبحانه بالجميل، إذ إنّ صفات الله تعالى الثبوتية تسمى بالجماليّة، والعدل أحدها.

وبهذا أعطت السيّدة (ع) درساً عقدياً للطاغية والحاضرين، حيث إنّه سلوك بني أمية عموماً كان يهدف إلى تشكيك الحضور بعدل الله سبحانه، وإلى أحقيّة تصرفه بهتك حرمة الحسين وآله (ع) بـدليل قول أميرهم يزيد:

"لعبَت هاشمُ بالملكِ فلا خبرٌ جاءَ ولا وحيٌ نزل"

فالطاغية يُكمن في نفسه الكفر ويُظهر الإيمان، وما قوله هذا إلاّ دلالةً على أنّ الحسين على خطأ وهو وشرذمته على صواب، ولذا يقول ذنبهُ بن زياد محتجاً بما في مضمونه: لو كانَ الله عادلاً لانتصر للحسين وآله !

أمَا والله لقد أساءَ المنطق، وإلاّ فماذا يُرتجى مِن ابن الطلقاء الذي هتك حرمة الأولياء، وأبكى بفعلته السماء !

فزهق الباطل الذي به كان فرحاً بـعبارة "ما رأيتُ إلاّ جميلا".

▪️الناحية الثالثة: الناحية البلاغية

استعملت السيّدة البليغة (عليها السلام) اسلوب الحصر أو ما يسمى عند البلاغيين بالقصر، ويعني: "تخصيص أمرٍ بآخر بطريقٍ مخصوص، ومِن طرقه: النفي والاستثناء...".

فمقصد السيّدة هو: رأيتُ الذي صنعه الله تعالى بنا جــميلا" بعد حذف أداتي النفي والاستثناء.

ويدلّ استعمالها اسلوب البلاغة هذا على امور:

▪️1- بيان أعلميتها وأنّها ليست كأيّ سبيّة، ومن هنا اشرأبت الأعناق لترى مَن المتكلم؛ لتذكرهم ببلاغة عليّ بن أبي طالب (ع).

▪️2- تحقير الطاغية وشرذمته بتكليمهم فوق مستوى ادراكهم، فمن يقارن بين كلامَي السيّدة والطاغية يجد الإرباك الواضح، والركة المضحكة في بيانه (عليه لعنة الله).

▪️3- توظيف ما استسقته من نمير العلوم مِن أبويها (عليهما السلام) في سبيل إعلاء كلمة الحق.

ويا لجميل ما صنعَت (عليها أزكى

 السلام).

اللهم احفظ الاسلام واهله

اللهم اخفظ العراق و شعبه

 

ـــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك