عبدالملك سام ||
لن أتجرأ بأن أجعلك تعتقد أن هذا المقال يتحدث عن العلوم، فنحن لم نصل بعد إلى مرحلة نقتنع بها جميعا أن العلم قادر على تغيير حياتنا، وإلا لكنا أعطينا التعليم جزء من إهتمامنا، ولعل للظروف تأثير في الوقت الراهن نتيجة العدوان والحصار ونهب الثروات، ولكن علينا رغم هذه الظروف أن نبذل قصارى جهدنا ألا يكون أبناؤنا ضحية الظروف مثلنا.
لا أدري لماذا نميل للشعوذة كلما واجهنا إحدى الظواهر الطبيعية؟! وبمجرد أن يشرع أحدنا في كتابة منشور إلا ويتقمص دور "المطوع" الذي ما يزال في ذاكرته، فقد تأثرنا بكل ذلك الهراء الذي كنا نسمعه في طفولتنا من الوهابيين، وللأسف غالبا ما يجعلنا هذا "المطوع" قساة نتحدث ببرود عن مأسي الناس وكأننا أنبياء!
ما حدث في سوريا وتركيا هو زلزال، وكما هو معروف فإن الزلازل ظاهرة طبيعية بحتة، إلا أن لها أسباب عندنا عدى تلك المتعارف عليها جيولوجيا؛ فالزلازل علميا لا دخل بالدين والأخلاق، ويمكن أن تحدث في أي مكان بحسب بنيته الصخرية وعوامل طبيعية أخرى. أما عندنا فإنها تحدث للآخرين (فقط) لأنهم أقل تدينا منا، وأخلاقهم ليست كأخلاقنا، ولذلك لا بأس لو أظهرنا تشفينا بما يجري للآخرين!
العقوبات الإلهية ليس بالضرورة أن تكون ظاهرة طبيعية، فقد تكون قلة في البركات، وقد تكون تسليط بعضنا على بعض، وقد تكون وباء لم يعرف من قبل.. أما أن ننطلق بإصدار الفتاوى، ونتسبب في عزوف الناس عن نجدة إخوان لنا وهم في أمس الحاجة لمن يمد لهم يد العون في هذا الظرف الصعب، فهذا ما يستحق فعلا عقوبة إلهية.
المناظر التي تصلنا من سوريا تدمي القلب، وبينما وجدت تركيا دعما غير محدود من جميع أنحاء العالم، تم ترك الشعب السوري الصامد ليعاني وحيدا! وكم كنت أتمنى أن ما نقرأه من منشورات تعبر عن المواساة، وتبرر تقصيرنا بأنه بسبب الأوضاع الإقتصادية التي نمر بها، ولكن للأسف وجدنا البعض يجسد معنى الشح وإنعدام الضمير وهو يتحدث بإستعلاء ولؤم، وأحيانا بتشفي!
ذكرتني هذه النبرة بما كان متداولا عندما حدثت كارثة "تسونامي" في أكبر بلد إسلامي (إندنوسيا)، فيومها إنطلق الكثيرون للتعليق على المآساة - خاصة الوهابيين - بأنها بسبب وجود مراقص وخمارات على الشاطئ! وترك بلد إسلامي ذلك اليوم ليجد أن من سارعوا لنجدته لم يكونوا من يدعون إخوته، بل وجد كل من حوله هي بلدان لها مصالح وأجندات في هذا البلد المسلم المستهدف.
كنت أتمنى أن تنطلق في بلدنا حملة واحدة، ولو بما تيسر، لإغاثة الشعب السوري الشقيق. فمنذ ما يزيد عن 20 يوما والسوريون يواجهون مآساة بهذا الحجم في ظل حصار أمريكي مجرم، وبعد أن دمر "دواعش" أمريكا المستشفيات والبنية التحتية، وفي ظل إستمرار المؤامرة التي شاركت فيها أنظمة عربية وأجنبية لتركيع الشعب السوري وتقسيمه، ولكن للأسف لم يتحرك أحد سوى بعض المواقف البسيطة، أما الموقف الغالب فكان خطاب التحريض والعجب الذي شاهدناه.
لم يفت الآوان بعد، وتأكدوا أن أي شيء يمكن أن نقدمه مهما كان بسيطا فإن الله سيرده لنا أضعاف ذلك بركة ونصر، ولنفعل ما نستطيع بهذا الصدد وبحسب مقدرتنا حتى يعرف الشعب السوري أن له إخوة يشاطرونه افراحه واتراحه. أما من ليس بإستطاعته تقديم شيء، فعلى الأقل فليساهم بالكلمة الطيبة، وأن يدعو الآخرين للمساهمة، فقلعة الصمود سوريا تستحق.
ℹ️ معلومات: زلزالا تركيا وسوريا 2023، زلزالان ضربا جنوب تركيا، وقع الأول في الساعة 4:17 صباحًا بالتوقيت المحلي (1:17 صباحاً بالتوقيت العالمي) يوم 6 فبراير 2023، وبلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، وكان مركزه غرب مدينة غازي عنتاب.
امتدَّ أثره إلى سوريا أيضًا نظراً لقرب مركزه من الحدود السورية التركية، ويُعدُّ هذا الزلزال من أقوى الزلازل في تاريخ تركيا وسوريا.
بعد مرور 9 ساعات وتحديدًا في الساعة 13:24 ظهرًا بالتوقيت المحلي، وقع زلزال آخر بقوة 7.5 درجات على مقياس ريختر بمنطقة إيكين أوزو بالقربِ من مدينة كهرمان مرعش.
بلغ عدد ضحايا هذين الزلزالين في تركيا وسوريا حسب تقديرات أولية أكثر من 41,000 قتيلاً و 120,000 مصابًا، وخلّفا أضرارًا مادية جسيمة في كِلا البلدين.
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha