المقالات

نفحات قرآنية ﴿35﴾


رياض البغدادي ||

 

نكمل على بركة الله ما بدأناه في السنتين السابقتين من نشر مختصر لما تدبرناه من آيات القرآن الكريم، وما جمعناه من الأقوال المعتبرة من تفاسير الأعاظم من العلماء المفسرين -أعلى الله مقامهم -.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿2﴾

ان الكلام في هذه الآية على نوعين: الأول مايتعلق بالشرعيات،والثاني ما يتعلق بالعقليات.

فالكلام في الشرعيات:

أعلم أن الزنا حرام ويدل عليه أمور:

الأول، أن الله تعالى قرنه بالشرك.

والثاني،ان الله أوجب فيه المائة بكمالها،وشرع الرجم ومنع الرأفة وأمر بشهود المؤمنين.

والثالث،ماورد عن النبي ﴿ص﴾ في حرمة الزنا وهي مجموعة روايات شريفة تُطلب في مكانها من كتب المجامع الروائية.

ولكي نعطي الآية حقها من التفسير لابد من بحث أمور:

البحث الأول

ماهية الزنا: وهو إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعاً، محرم قطعاً... وفيه مسائل:

المسألة الأولى: اختلفوا في اللواط هل هو زنا؟ قيل نعم ،واحتجوا بالنص والمعنى:

-  فأما النص فما ورد عن النبي ﴿إذا اتى الرجل الرجل فهما زانيان﴾.

-  وأما المعنى فإن اللواط مثل الزنا صورة ومعنى.

فالصورة أنه إيلاج فرج في فرج، والدبر أيضا فرج لأن القبل إنما سمِّيَ قُبُلاً لإنفراجه والدبر أيضًا منفرج، لكن العرف لا يسمي اللواط زنا، وهذا لا يقدح في أصل اللغة، فالطبيب لا يسمى عالمًا مع إن الطب علم.

وأما المعنى، فإن الزنا قضاء للشهوة، وهذا موجود في اللواط، لأن الدبر أيضا مُشتهى وتتعلق به الشهوة لحرارته ولينه وضيقه، فالقائل بالطباع لايفرق بين المحلين وإنما فرقهما الشرع.

ومن قال إن اللواط غير الزنا فقد احتج بأمور:

الأول العرف لا يسمي اللواط زنا، الثاني لو حلف أنه لايزني فلاط لا يلحقه حكم حنث اليمين بالإجماع، الثالث إن الأولين عارفان باللغة ولو كان اللواط زنا لأغناهما نص الكتاب عن الاجتهاد في حكم اللواط، وحديث النبي يؤول على معنى الإثم لأنه ورد عنه ﴿ص﴾﴿ اليدان تزنيان والعينان تزنيان ﴾، الرابع لو كل منفرج يسمى فرجاً لسمي الفم فرجاً وسموا الجنين جنيناً لاستتاره وما سموا كل مستتر جنيناً.

البحث الثاني عن أحكام الزنا

وقد اختلف الفقهاء في أحكامه كثير الاختلاف، وإني أعرضت عن ذكره لأنه يدخل في باب الفقه وليس التفسير هذا أولاً وثانيًا فإني ألزمت نفسي بالاختصار قدر الإمكان ولا بأس من ذكر أحد موارد النقاش في أحكام الزنا ترغيبًا للقارئ الكريم ولوج الفقه ،ففيه علم لا غنى عنه...

قيل إن حكم الزنا الرجم على المحصن، وأنكَرَهُ بعضهم مستدلاً بقوله تعالى ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ﴾ النساء 25، فلو وجب الرجم على المحصن لوجب نصف الرجم على الرقيق، لكن الرجم لا نصف له.

البحث الثالث الشرائط الموجبة لتلك الأحكام

يُشترط في إقامة حد الرجم والجلد العقل والبلوغ وفي الرجم يضاف شرط الحرية فلا رجم على العبد والأمة.

الرابع. طريقة معرفة الزنا وتشخيصه،

وذلك لا يحصل إلا بأحد ثلاثة أوجه.. الأول أن يراه الإمام بنفسه ،وفيه خلاف في عدم حكم القاضي بعلم نفسه ،والثاني أن يقر الزاني على نفسه بالزنا، وهذا أيضا تعتبر فيه مسائل وشروط، والثالث أن يشهد عليه أربعة، وأيضًا فيه تفصيل ،وكل ذلك من الفقه وليس من التفسير.

الخامس. مَنْ هم المخاطبون في قوله ﴿فاجلدوهم﴾.

أجمعت الأُمة أن المخاطب هو الإمام واجب الطاعة، وقد استدلوا بهذا على وجوب نصب الإمام لأن إقامة الحدود مشروطة به ولا يجوز تعطيلها، وقيل إن المخاطب هو عموم المؤمنين، وذلك في تفصيل يمكن الرجوع اليه في كتب الفقه.

السادس. كيفية الرجم والجلد وفي ذلك تفصيل تجده في كتب القضاء أعرضنا عن التعرض إليه التزامًا منا في الاختصار وعدم الخروج من التفسير الى الفقه أو غيره.

وأما قوله تعالى ﴿وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ ففيه مسألتان:

الأولى. يراد بالرأفة الرحمة.

الثانية. يراد بها تعطيل الحد.

قوله تعالى ﴿إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ هو من باب التهييج وإثارة الغضب لله تعالى.

قوله تعالى ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ففيه ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: أمر، وظاهره الوجوب، وقد حكم معظم الفقهاء باستحبابه لما فيه من أسباب الردع عن ارتكاب المعاصي

المسألة الثانية: اختلفوا في عدد ﴿طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قيل إثنان وقيل أربعة عدة شهود الزنا وقيل أكثر.

المسألة الثالثة: ﴿عذَابَهُمَا﴾ تسميته عذاباً يدل على إنه عقوبة، ونبه الله تعالى الى وجوب اتّصاف مَنْ يشهد العقوبة مِنْ المؤمنين، لكي ينقلوا ما رأوا الى أكثر عدد من الناس، فيكون ذلك رادعاً للآخرين.

 

والله العالم

 

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك