المقالات

الصوم والامم السابقة..


الشيخ محمد الربيعي ||

 

هذا تشريع عبادي جديد أراد الله لعباده أن يتعبّدوا له فيه، من أجل أن يحقّقوا لأنفسهم البناء الروحي والعملي من خلال ذلك، كما هو الحال في العبادات الأخرى التي لم يجعلها الله استغراقاً في ذاته أو غيبوبةً في قدسه، ليبتعدوا بذلك عن حياتهم، بل جعلها انطلاقة في وعي الإنسان لعلاقته بربّه، من حيث هي عبودية ومسؤولية وانفتاح، لتؤكّد له إنسانيّته الصافية النقية البعيدة من كلّ خبث وزيف ورياء، ومن كلّ ضعف وحقد وانحراف، والقريبة من المعاني الروحيّة التي تبني للإنسان حياته على الصّورة التي يحبها الله ويرضاها، فهي تلتقي بالحياة من خلال التقائه بالله.

وفي هذا الإطار، اعتبرَت العبادات الإسلاميّة من ركائز الإسلام، باعتبار علاقتها ببناء الشخصيّة الإسلاميّة للإنسان، في ما يفكر ويعمل ويمارس من علاقات عامّة وخاصّة، وفي ما يخطّط له من غايات، وما يستخدم من وسائل، وذلك من خلال تعدّد أساليبها وتنوّعها، وفي ما تثيره من مشاعر، وما تحرّكه من نوازع وأفكار.

وقد نلاحظ في روعة التشريع العبادي في الإسلام، أنه حرّك العبادة في إطار العطاء، فاعتبر العطاء عبادة، وأطلقها في الحياة، فقرّر أنَّ العمل في سبيل طلب الحلال عبادة، وأثارها في خطّ الدفاع عن الإنسان وقيمه الكبيرة في الحياة، فالجهاد في سبيل الله عبادة يتعبّد فيها الإنسان لربّه، وأفسح المجال للنيّة الخالصة في داخل الإنسان، لتعطي كلّ عمل يقصد به الإنسان وجه ربّه في كلّ شأن من شؤون الحياة الذاتية والعامة، صفة العبادة التي تقرّبه إلى الله.

وكان الصوم إحدى العبادات التي بُنِيَ عليها الإسلام، حسب ما ورد في أحاديث أئمة أهل البيت (ع)، فقد فرضه الله على المؤمنين في الإسلام، كما فرضه على المؤمنين قبلهم في الشرائع السابقة، فقد ورد في "قاموس الكتاب المقدّس": «الصوم بشكل عام، وفي جميع الأوقات، كان متداولاً في أوقات الأحزان والنّوائب بين جميع الطوائف والملل والمذاهب».

ويظهر من التّوراة أنَّ موسى (ع) صام أربعين يوماً، فقد جاء فيها: «أقمت في الجبل أربعين ليلةً لا آكل خبزاً ولا أشرب ماءً».

«وكان اليهود يصومون لدى التوبة والتضرّع إلى الله. واليهود كانوا يصومون غالباً حينما تتاح لهم الفرصة، للإعراب عن عجزهم وتواضعهم أمام الله، ليعترفوا بذنوبهم عن طريق الصوم والتوبة، وليحصلوا على رضى حضرة القدس الإلهي».

«الصوم الأعظم مع الكفارة، كان على ما يبدو خاصاً بيوم من أيام السنة بين طائفة من اليهود. طبعاً كانت هناك أيّام أخرى مؤقتة للصوم بمناسبة ذكرى تخريب أورشليم وغيرها«.

السيِّد المسيح (ع) صام أيضاً أربعين يوماً، كما يظهر من الإنجيل «ثُمَّ صعد يسوع إلى البرية... فبعدما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة جاع أخيراً».

ويبدو من نصوص «إنجيل لوقا» أنَّ حواريي السيِّد المسيح صاموا أيضاً.

وجاء في "قاموس الكتاب المقدَّس": «من هنا، كانت حياة الحواريين والمؤمنين مملوءة بالابتعاد عن اللذّات وبالأتعاب وبالصّوم».

وقد لا نجد تفصيلات وافية عن طبيعة هذا الصّوم المفروض على السابقين في شرائعهم، ولكنَّنا نجد في القرآن الكريم حديثاً عن صوم الصمت، في ما حدّثنا الله به من قصة زكريا قال: {قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النّاس ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ}، وفي ما حدّثنا به من قصّة مريم (ع): {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً}.

وقد نجد لدى بعض المنتسبين إلى الديانات السابقة من اليهود والنّصارى نوعاً من الصّوم الذي يمتنعون فيه عن بعض المأكولات، كاللحوم ونحوها، في بعض أيام السنة. وقد يخيّل إلى بعض النّاس أنَّ تشبيه الصوم المكتوب علينا بما كتب على الذين من قبلنا، يوحي بوحدة الصوم عندنا وعندهم، ولكن ذلك غير ثابت، لأنَّ التشبيه يكفي فيه أن يكون وارداً لبيان أصل التّشريع من دون دخول في تفاصيله

اللهم احفظ الاسلام واهله

اللهم احفظ العراق و شعبه

 

ـــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك