حمزة مصطفى ||
ملاحظة: بالتزامن مع نشر المقال اليوم بالزوراء هرب أبرز معاوني البشير من السجن بعد أن هرب السجانون. ظهر ذلك في شريط لأحمد هارون أحد مساعدي البشير. هارون اعتذر عن الخروج لا الهروب وقد ناشد القضاء ان يبرر خروجهم علما انهم مستعدون للعودة الى السجن في حال عاد السجانون. مفارقة لاتحصل الا في السودان هذه الأيام ...
بدأت الدول تجلي رعاياها من السودان, وبعضها تفكر بغلق سفاراتها. سويسرا التي هي بلا رعايا في السودان أغلقت سفارتها طبقا لقاعدة الدولة التي "تجيك منها ريح سد بابها وإستريح". بلاد لم تعد صالحة للعيش حتى لمدمني الإنقلابات من الجنرالات. قبل يومين إنتشر خبر يقول أن الرئيس السوداني السابق الجنرال هو الآخر عمر حسن البشير هرب من السجن. وكدلالة على رمزية الهروب من السجون هذه الأيام أظهروه بالفانيلة. لكن السؤال هو ليس كيف هرب البشير الذي كان سجنه محاطا بحماية مكثفة وأسلاك أكثر من شائكة خشية هروبه أيام كان الخوف في حال هربه سيعود الى القصر الجمهوري, بل أين يهرب؟ يعني "وين وين ينطي وجهه". التاريخ لايعيد نفسه في السودان حتى عبر مقولة كارل ماركس الشهيرة مرتين, مرة على شكل مأساة ومرة على شكل ملهاة. لاتنسجم مقولات ونظريات وتفلسفات ماركس على السودان. السودان خارج المادية الجدلية والتاريخ ولو كان ماركس حيا الى اليوم لكان إبتكر صيغة للتطورات والتحولات في السودان لأسمها "النمط الأفريقي" للخراب على غرار ماكان أسماه "النمط الأسيوي للإنتاج" حين بحث عن حل لشعوب وقارات لم تنسجم مع المادية الديالكتيكية.
لا أحد يعرف إن كان البشير في سجنه أم إنه خرج "لم يعد للهرب معنى". وإذا كان خرج من أخرجه في وقت يبحث الجميع عن مأوى بعد الخروج. لم تعد معادلة 1989 قائمة حين صمم المفكر السوداني الراحل حسن الترابي الإنقلاب عام ذاك ضد صهره الراحل هو الآخر الصادق المهدي ليستدعي الجنرال عمر البشير من الثكنة الى القصر. لم يكتف الترابي بذلك , بل أمر البشير أن يصدر أوامره كقائد للإنقلاب الى إرسال مؤلف ومنتج ومخرج ومصمم حتى ديكور الإنقلاب الترابي الى السجن. تبادل غريب للأدوار وللسلطة في بلد لايجيد سوى إنتاج الأحزاب الديمقراطية والجنرالات الذين يقودون الدبابات لإخراج رؤساء وزراء الديمقراطية الى السجون أو الموت. الأمر مع الجنرالين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو "حميدتي" يختلف. لم تعد المسألة تقاسم سلطة بدورين أحدهما دور الرئيس الإنتقالي "البرهان" والآخر دور السيد النائب الإنتقالي "حميدتي".
وصلا الى السلطة عندما أخرجا مسؤولهما العسكري السابق الجنرال عمر البشير الذي كان طرز كتفي البرهان وحميدتي بالنجوم وصدورهما بالنياشين لتبحث عنه المحكمة الجنائية الدولية بتهمة إرتكاب جرائم حرب. ملت الجنائية من البحث عنه بعد أن أدركت أن لا جديد لدى كل الجنرالات في إرتكاب الجرائم. تكفل الجنرالان البرهان وحميدتي في كل ما تلى ذلك. الخراب الذي يعم السودان اليوم بات لا يعنيهما على الإطلاق. كلاهما يبحثان عن مجد لم يعد له وجود في بلاد بدأت دول الدنيا ترسل المزيد من الطائرات الى مناطقه الآمنة إن كانت بقيت فيه مناطق آمنة لتجلي رعاياه بعد أن أخذت نيران القتال العبثي تقترب من رعايا الدول الأخرى مثلما حصل للعراق حيث قتل أحد مواطنيه برصاص قناص سوداني لا أحد يعرف الى أي من جنود الجنرالين الاساوش ينتمي.
في السودان الباحث عن المجهول بشق الأنفس يضيع دم القتلى بين القناصين المنتشرين على حافات الدمار المتبادل. وإذا كانت مأساة السودان مفتوحة على إحتمال واحد بأوجه متعددة هي الخراب والتدمير والفشل المستمر فإن مأساة البشير تختلف عن كل مآسي السودانيين. ففيما كان يبحث عن أية وسيلة للهروب من السجن ليعود الى القصر محمولا على دبابة جاهزة للإنقضاض على القصر في أي وقت, فإنه اليوم يبحث عمن "يجليه" بعد أن تلاشى حلم القصر حتى لمن تقاسم عام 2021 الإقامة فيه.. الجنرال الرئيس والجنرال النائب فيما يتفق كلا الجنرالين على تشديد الحراسة على سجن .. الجنرال "النائم" في إحدى زنزاناته. لم تعد الزنزانة متر في مترين. إنفتحت على كل المصاريع. إستيقط الجنرال لا لكي يخرج بل لكي يطلب تشديد الحراسة لكن لم يعد أحد وسط الضجيج يسمع صرخاته. بإمكانك أن تخرج.. تفضل مع السلامة إن وجدت سلامة بعد اليوم.
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha