المقالات

فنٌّ أم حكاياتٌ على أرصفة البطالة؟!

891 2023-04-27

عباس سرحان ||

 

اندفعت فتاة سيئة السمعة تطاردها دورية شرطة، الى فناء بيت في نهاية الزقاق كان بابه مواربا، وأوصدت الباب خلفها.

 ظلت دورية الشرطة التي كانت تطاردها تحوم حول الدار جيئة وذهابا، ما منع الفتاة من مغادرتها خشية الوقوع في قبضة الدورية.

استدارت تتفحص بحذر ما حولها من فناء الدار وحجراتها ونوافذها القديمة.

بدا المنزل بسيطا بجدرانه وأثاثه ونافورة الماء التي توسطت باحته، وذا أثار فضول الفتاة ومخاوفها معا، فقد  ظنته للوهلة الأولى منزلا خاليا مهجورا.

 لكن نعلا ممزقا اصطف زوجاه أمام إحدى الأبواب المفتوحة على الباحة أمامها جعلها تظن أن الدار تعود لسكّير متهتك.

لا أدري لماذا ظنت ذلك ساعتها. ولكن ربما لأنها  صادفت الكثير من صنف  هؤلاء البشر  منذ سنوات، وهم خطرون ومتجاسرون وهي تحمل في أعماقها خوفا شديدا من هذا النوع من البشر.

غير أن صوتا هادئا ناداها من خلف الباب" ادخلي يا ابنتي، واعتبري البيت بيتك وأنا كأبيك"!

وعلى حذر وبخطى مرتعشة تفحصت مصدر الصوت من نافذة مغطاة بغير قليل من الغبار، فبان لها رجل ستيني يرتدي زيا حوزويا، وبجنبه عمّة بيضاء تشير الى ان صاحبها شيخ معمّم، كان مستقبلا القبلة جالسا على سجادة للصلاة من الواضح انه فرغ منها توا.

وتستمر احداث هذا الفيلم لنحو ساعة ونصف يدور فيها صراع بين قيم الشيخ الفاضلة ومحاولات الفتاة التي أجهدت نفسها لإغوائه وإثبات أنه سيء كالآخرين ممن صادفتهم .

وفي النهاية تنتصر قيم الشيخ على قيم التهتك والسقوط وينتصر الشيخ للفتاة من نفسها وينتشلها من واقع انساقت اليه تحت قسوة الظروف وضغط العناصر الفاسدة في المجتمع.

كم من رسالة جميلة بعثها هذا الفيلم الايراني لمشاهديه، وكم فكّ من عقد وأجاب عن تساؤلات في نفوس الكثير من الناس وخصوصا الشباب ممن تستهويهم الحياة المادية ولا يجدون القدرة للخروج من حبائلها وشباكها ؟.

ربما يشكك أحدهم بحدوث قصة الفيلم على أرض الواقع. لكنها في النهاية معالجة درامية ناجحة قاربت بين أحداث يمكن أن تقع بنسبة احتمال عالية، ووجهتها بدفعة من الايجابية تجعل كل من يشاهد الفيلم يقتطف منه عبرة وحكمة وهو المطلوب.

فإن لم يعالج العمل الدرامي مشكلة اجتماعية أو يبعث برسائل اطمئنان للمتلقين، فليس من الانصاف أن يسمى فنّأ، بل يجب أن يسمى تهريجا أو حكايات خالية من المعاني يثرثر بها مجموعة عاطلين عن العمل على أرصفة البطالة.

بالتأكيد لست ناقدا فنيا أو أدبيا. لكن يمكن أن أصف نفسي بأنني متابع جيد ولي وجهة نظر فيما أشاهده أمامي، كما أني أحرص وأغار على قيم المجتمع الذي أعيش فيه، وفيه أبنائي وأبناء جيراني وأقربائي وأصدقائي وهؤلاء وغيرهم من ابناء بلدي يشكلون وطنا نعيش فيه متأثرين سلبا أو أيجابا.

ومن أجل هذا حذفتُ عدة قنوات عراقية محلية من جهاز الاستقبال لأنها تبث سموما وتهريجا وتنفق مبالغ طائلة على انتاج محتويات هابطة تسميها مسلسلات أو برامج اجتماعية تسيء فيها للذوق العام.

 وهي لا تحمل أدنى قيمة اجتماعية ولا تبعث لمشاهديها إلا رسائل منحطة تفتقر الى الذوق والخلق وحسن السلوك.

فمثلا شاهد كثيرون "مسلسلا" مثله ممثلون عراقيون شباب مؤخرا، وهو بعيد كل البعد عن البيئة الاجتماعية العراقية، وتدور احداثه الطويلة المملة حول صراع الفتيات على  شاب تحاول كل منهن الظفر بقلبه!.

انتهت الموضوعات والقصص الانسانية ولم يجد منتجو هذا العمل البائس الا هذه القصة الخيالية لينفقوا عليها اموالا طائلة من اجل تسويقها كعمل درامي.

والمصيبة ليس فقط في تفاهة مضمون قصة هذا المسلسل ومضامينه السيئة، بل فيما تتضمنه حواراته من الفاظ نابيه وسوء ادب وتبادل للشتائم والخيانات دون ان تكون هناك معادلات اخلاقية تجعل من هذا الفعل مذموما مكروها.

وليس هذا العمل الوحيد، فقنوات أخرى معروفة لديها مجموعة من "الفنانين" اعتادت على تقديمهم في شهر رمضان بأعمال ليست ناضجة، إنما تقوم على استهداف قيم المجتمع او الهزؤ ببعض طبقاته والنيل من اعرافه وتقاليده دون ان تقدم بديلا ايجابيا لما تنتقده.

غايتها فقط ان تجعل بعضا من الناس يسخرون من بعض آخر بسبب لهجتهم أو طبيعة حياتهم أو بسبب ما اعتادوا على لبسه من زي شعبي.

هناك تساؤلات كبيرة تطرح عن سبب انحدار الدراما العراقية وغيابها، فهل تكمن المشكلة في غياب الكتّاب الجيدين، أم بسبب الافتقار الى ممثلين يشعرون بأهمية ومسؤولية ما يقدمونه؟.

أم أن تمويل الانتاج هزيل وضعيف ولا توجد جهة أو جهات مسؤولة حريصة على انتاج محتويات هادفة تسلط الضوء على انجازات الانسان العراقي.

أو تعرّف بشيء من تاريخه في التضحية من اجل بلده ومجابهة الانظمة الطاغية الظالمة، أو تُظهر صراع هذا الانسان مع الحياة في رحلة الكد وكسب الرزق.

هناك الكثير من القصص التي يمكن ان تعالج دراميا بما ينفع المجتمع ويعزز فيه القيم الايجابية بدلا من السلبية المفرطة التي تروج لها الاعمال الدرامية المشبوهة التي يتم انتاجها بشكل مريب وتبث على قنوات اعتادت على مهاجمة العراقيين ثقافيا واجتماعيا.

 

ــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك