الشيخ محمد الربيعي ||
تُعتبر ظاهرة انتشار المخدّرات في زمننا أخطر مشكلة تواجه الأمّة، هذه المشكلة الاجتماعية المستشرية تستهدفنا في أعزّ ما نملك، تستهدفنا في شبابنا وفي مستقبلنا، فهي تمسّ بدرجةٍ أولى الشباب وصغار السنّ، فقد أثبتت الدراسات المقامة في الدول العربيّة انتشار استهلاك المخدّرات في أوساط صغار السنّ والشباب من أبناء المجتمع، وأن نسب كبيرة من التلاميذ والطّلبة في المدارس والجامعات تستهلك مواد كحوليّة ومواد مخدِّرة
المخدّرات تُدمِّر العقول وتبدِّد الأموال وتُشتِّت الأُسر وتحطِّم المجتمعات، إنها التيّار الجارف والبلاء الماحق والطريق الذي ليس له إلَّا ثلاث نهايات: مرض وجنون، أو سجن وضياع مستقبل، أو موت بطيء.. وقد شاعت بين الناس قصص وقعت في بعض العائلات تحكي الآثار المأساوية لهذه السّموم، فقد يصل بعض مدمني المخدّرات إلى حال مروعة ويقدم على ارتكاب أفعال يصعب تصديقها: فهذا يسرق حليّ أمّه أو زوجته لشراء جرعات من هذا السمّ القاتل، وذاك يبيع أثاث المنزل قطعة قطعة في سبيل الحصول على المال، وآخر وصل إلى حدّ بيع شرفه لذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومنهم من يلجأ لاستعمال القوّة مع والديه للحصول على المال، وكثير منهم يضع أسرته في حالة من الرّعب والهلع بصفة يوميّة بسبب إدمانه، وكم من عائلة تفتّتت وتشرذمت وضاعت بسبب المخدّرات.
▪️ان من اهم اسباب انتشار هذا الوباء الفتاك
اولا / إهمال الوالدين وسوء تربيتهم لأولادهم:
حين ينشأ الطفل في المنزل دون أن يجد من يُوجّهه ويُذكِّره وينصحه، يقع فريسة لهذا البلاء لجهله بعواقبه، ولغياب الرّقيب، كذلك كثرة المشاكل في المنزل بين الوالدين تدفع الشّاب للإدمان سعيًا منه للهروب من الواقع، ولنسيان ما يمرّ به أو ما يعانيه من مشاكل أسريّة، فتجده يجري وراء حلم المتعة ونشوة اللّذّة الساري في مخيلته.
ثانيا / ضعف الإيمان:
إنّ انعدام الخوف من الله سبحانه وتعالى عند كثير من الشباب وضعف الوازع الديني والقيمي، وضعف التمسّك بحبل الله هو السّبب الرئيسي لهذا البلاء، فإنّ الطفل إذا لم يتربّى على مراقبة الله في كل أعماله، وأنه سيحاسب على كل صغيرة وكبيرة، وأنه سيقف غدًا بين يدي من لا تخفى عنه خافية، فلا يهمّه بعد ذلك ما يقدم عليه.
ثالثا / الفقر :
الفقر المعوز وانتشار البطالة بين الشباب الذين هم الهدف الأول لعصابات تجّار المخدّرات، إضافة للظروف المعيشيّة الصعبة من أهم عوامل انتشار الاستهلاك بين الشباب. وكلما زاد الفقر في المجتمع ازدادت معه الجرائم كالسرقة والنّصب وبيع المخدّرات، بحثًا عن الكسب السّريع وجريًا وراء حلم الارتزاق السهل والثّراء، ويهمل الشاب لذلك النظر إلى المخاطر .
رابعا / سوء معاملة الأولاد وتدليلهم وتلبية كل مطالبهم:
فنجد في المقابل أن وفرة المال أحيانًا يكون سببًا رئيسيًا للإدمان، فعندما يجد الشّاب كل شيء متوفّر بين يديه يظهر الكسل واللامبالاة والغفلة عن محاسبة النفس فيتردّى إلى هاوية الإدمان، خاصة أنّ كثيرًا من الوالدين يستجيبون لكل طلبات أبنائهم خاصة في سنّ المراهقة الصعبة حين يزداد تذمّر الشاب أو الشابّة على كل صغيرة أو كبيرة، فتجد الأولياء يستجيبون لكلّ طلباته للوقاية من شرّه، فيصبح الشاب ولي أمره ويحسّ بالتّحرُّر وبضعف الوالدين، فيصنع ما بدا له ويرتكب كلّ ما يقدر عليه من الحماقات ومنها المخدّرات، وطبعًا ليس كل غنيّ منحرِف ولا كل فقير مدمن .
خامسا / - الجهل:
كذلك الجهل يمنع صاحبه من اليقظة ومن التفطن لما هو واقع فيه، ويكون عادة فريسة سهلة للمجرمين ولتجار المخدّرات وحتى لمن هم في مثل سنّه من الشباب الّذين يسعون للكسب السريع للمال بكل الوسائل ولو ببيع المخدّرات، خاصة أن الجاهل لا يحيط بأضرار هذه السموم ولا يقدّر حقيقة عواقبها المؤلمة، وصدق المثل القائل: "يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدوّ بعدوه".
سابعا / محاكاة بلاد الغرب:
بانتشار وسائل الإعلام الغربية في بعض البلاد الإسلامية، وعملها على الإثارة الجنسية لشبابنا بالأفلام الهابطة، وجعلها من يسمونهم فنانين ولاعبين نجوما يقلّدهم ويقتدي بهم أبناؤنا، وأكثرهم مصابون بداء شرب الخمور وإدمان المخدّرات، وكذلك سماح بعض البلدان الإسلامية بانتشار الحانات ودور المراقص والفجور
▪️إن التصدّي لهذه الظاهرة الخطيرة مسؤوليتنا جميعًا :
فلا بُدّ من بذل كل الجهود الضّروريّة للتصدّي لهذه الآفة والحيلولة دون زيادة انتشارها بين أفراد المجتمع من الشباب وغيرهم، فعلى المجتمع أن يستيقظ لحجم هذا الخطر الّذي يحدّق بفئاته، و يتصدى لكل للمجرمين الذين يتاجرون بأمن وسلامة أولاده بكل حزم وأن توضع المشاريع والخطط لمواجهة هذه الظاهرة، فإن الأموال الطائلة التي تدرّها تجارة المخدّرات تعمل على تغذية الفساد وتعزيز الشبكات الإجراميّة، وتوجد في البلاد جوًا من الخوف وعدم الاستقرار وتحدّ من التّنمية...
ويمكن علاج هذه الظاهرة السعي لتقوية إيمان أولادنا بدفعهم للمواظبة على الصلوات وعلى تقوى الله، وتعريفهم أنهم سيقفون بين يدي العليم الخبير الذي لا تخفى عنه خافية صغيرة ولا كبيرة.
ويكون ذلك باستخدام كل الوسائل المباحة شرعًا لغرس الإيمان في نفوسهم وتحبيب الدِّين إليهم .
كذلك من خلال تنشئتهم على الأخلاق الحميدة فهي أساس الدِّين بعد الإيمان .
و تعليمهم الحرص على الصُحبة الصالحة، ومتابعتهم في ذلك ومعرفة أصدقائهم وعدم السّماح لهم بالسهر لأوقات متأخّرة من الليل وعدم السّماح لهم بالسفر مع الشباب الذين هم في مثل سِنّهم، فإنّه في حال غياب الرّقيب يكونون عرضة لخبثاء النّفوس المروّجين .
كذلك تجنيبهم المشاكل الأسريّة والخلافات التي تنشأ في بعض البيوت بين الوالدين، وملئ أوقات فراغهم بما ينفعهم من علم نافع أو عمل صالح أو ترفيه بريء .
وضرورة إقامة دورات توعية وتوجيه للطلبة للإحاطة بمخاطر المخدّرات الهدّامة على مستقبلهم، وحماية الوسط المدرسي والجامعي باستعمال وسائل وأدوات المراقبة الحديثة كالتصوير بكاميرات الفيديو لساحات المدارس والجامعات.
أسأل الله العظيم أن يحفظ أبناءنا وبناتنا من هذه الشرور، وأن يردّ الذين خدعوا إلى رشدهم ويصلح شأنهم .
اللهم احفظ الاسلام و اهله
اللهم احفظ العراق و شعبه
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha