المقالات

الزواج الناجح


الشيخ محمد الربيعي ||

 

من وظائف الزواج الأساسيّة، تحقيق الاطمئنان والاستقرار النفسي، حيث يجد كلّ من الزوجين في الآخر مبعث سرور وارتياح، وسند تعاطف ودعم، في مواجهة مشاكل الحياة، وتلبية احتياجاتها.

لذلك، يعبّر القرآن الكريم عن العلاقة الزوجيّة بأنها سكن وملجأ يأوي إليه الإنسان. يقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}.

ولا يحصل السكون والاطمئنان في الحياة الزوجيّة، إلا إذا كانت العلاقة بين الزوجين في إطار المودة والرحمة والمودّة تعني الحبّ والانشداد العاطفيّ، والرحمة تعني رفق كلّ منهما بالآخر، وشفقته عليه.

وذلك هو أرضية التوافق الزواجي، الذي لا تحقّق الحياة الزوجية أغراضها إلا بوجوده.

 ويعني التوافق الزواجي: قدرة كلّ من الزوجين على التواؤم مع الآخر، ومع مطالب الزواج.

ونقيض التوافق، حالة التنافر التي تبدأ بحصول انطباعات سلبيّة من أحد الزوجين تجاه الآخر، أو من كليهما، وبصدور ممارسات وتصرفات من أحدهما مخالفة لرغبة الآخر، أو من كليهما، مما يلبد سماء الحياة الزوجية بغيوم الخلاف والنزاع، ويكدّر صفوها بشوائب الأذى والانزعاج.

إنّ الخلافات والمشاكل في الحياة الزوجية، إذا لم تعالج، تسلب الطرفين راحتهما وسعادتهما، وتفقدهما أهمّ ميزات الارتباط الزواجي وخصائصه، ويضغط الخلاف العائليّ على الإنسان أكثر من أي خلاف آخر، لأنه يقع في أقرب الدوائر والحلقات إلى ذاته.

محل الشاهد :

وبما اننا من المنتمين الى مدرسة اهل البيت ( عليهم السلام ) ، فنستفيد من الاطلاع على حياة النورين الامام علي بن ابي طالب ( ع ) ، وسيد الطاهرة فاطمة الزهراء ابنت النبي الخاتم محمد ( ص ) ، فمن الاولى بنا ان نعيشها بفكر واعي و نستفيد منها لحياتنا ، و نتعلم من الحياة الزوجية لنورين ( علي و فاطمة ) كيف نعيش تلك المشاركة في الحياة في سعادة و قبول بعضنا البعض ، و خصوصا انهما من مدرسة ( الاسوة الحسنة ) التي اوصى الله تبارك وتعالى الاقتداء باقوالها و افعالها ، قبل ان نأخذ مقومات النجاح من الادوات الفاسدة لبعض ( الافلام و المسلسلات ) .

محل الشاهد :

نتعلم من الحياة الزوجية لنورين ان من اهم سبل السعادة الزوجية هو (( تقاسم مسؤولية البيت))

بمعنى هو عدم الاكتفاء على احد الاطراف دون الاخر  ،فقد كان عليّ و فاطمة ( ع ) يتحسّسان مسؤولية البيت فاقتسماها ، وفي أحاديثنا ، أن الزهراء تقاضت مع عليّ عند رسول الله(ص) ـ ( تقاضي المحبّة ) ـ حتى يقسّم العمل بينهما، فصار الاتفاق أنّ الزهراء تطحن و تعجن و تخبز ، و أنّ أمير المؤمنين يكنس البيت و يستقي الماء و يحتطب .

و في ذلك درسٌ للرّجال والنساء معاً :

▪️أمّا درس الرّجال ، فأن يتعلّموا من عليّ أن لا يتكبروا على خدمة المنزل، فعليّ كان يكنس و يستقي و يحتطب ، و الرّجل منا لا يرضى لرجولته أن يكنس ويستقي ، لكنّ عليّاً ، و هو سيّد الرجال ، كان لا يرى بأساً في كنس البيت ، لأنّ البيت بيته ، و الزوجة زوجته ، هي إنسان كما هو إنسان ، و الرّجل مهما كان عظيماً ، ليس أكبر من أن يخدم أولاده و زوجته و أباه و أمَّه و أخوته و من هو مسؤول عنه .

▪️والدّرس نفسه ينبغي أن تتعلّمه النّساء، بأن لا يعتبرن أنَّ العمل في البيت يمثّل احتقاراً لهنّ ، كما هي العقليّة التي ولدت عند بعض النساء المسلمات مؤخَّراً ، فالزهراء كانت تعمل و تطحن وتخبز ، و نحن وإن قلنا مراراً إنّ الله لم يفرض على المرأة ، ابنةً كانت أو زوجةً ، أن تخدم في البيت ، بيت أبيها أو زوجها ، بالمعنى الشرعي للإلزام ، ولكنّ الله أراد للإنسان عندما يعيش في أيّ موقع يتطلب المشاركة ، أن يندفع طبيعياً بحسب طاقته ، حتى يشارك في هذه الطاقة و يفجّرها ، و الإنسان الذي يقف في موقع المسؤوليّة ، و يهمل ما أحبّه الله له وإن لم يلزمه به ، هو إنسان لا يعيش الإحساس بموقعه الإنساني تجاه الإنسان الآخر، فالله عندما لم يلزم المرأة بالعمل البيتي أو تربية الأطفال و الإرضاع، لم يرد لها أن تكون سلبيّة أمام ذلك ، و إنما أراد لها أن تكون إنسانة العطاء ، لتقدِّم من قلبها ومن طاقتها ومن جهدها بوعيها و اختيارها ، أن تقدِّم ما لا يجب عليها عطاءً في سبيل الله [  إنَّما نُطْعِمُكُم لِوَجْهِ الله ]، بحيث تشتغل في بيتها و تخدم أولادها لوجه الله ، كما تصوم و تصلّي لوجه الله ، و تضحّي لوجه الله... و لذلك ، عندما قال النبيّ الخاتم (ص): ( جهاد المرأة حسن التبعّل ) ، فلأنّه يعرف شدّة المعاناة فيما تعيشه مع زوجها ، و فيما تصبر به على أذى زوجها ، و ما تتحمّله من إحساساته التي قد تثقل إحساساتها ، هذا إن لم تكن تعيش معه معاناة كبيرة ، فإطلاق الجهاد على حسن التبعّل ، لكون الجهاد يثقل المجاهدين حتى يأخذ منهم أرواحهم ، و كذلك المرأة ، تعاني مع زوجها حتى تكاد تفقد روحها ، فإذا صبرت صبر الواعي ، و صبر

الإنسانة الّتي تملك شرعاً أن تمتنع عن الخدمة ، فإنها تعتبر من المجاهدات في سبيل الله، و يكون لها أجر المجاهدين .

▪️باختصار ، إنّ مسألة الخدمة ـ أن يخدم أحدنا الآخر في دائرة مسؤوليّته ـ ليست مسألة تتّصل بالكرامة لتعتبر المرأة أنّ العمل في البيت احتقار لشخصيّتها ، أو يعتبر الرّجل أنّ مشاركتها في العمل احتقار له أيضاً ، وإنما هي مسألة تتصل بالإنسانيّة ، و قيمة الإنسان في هذه الدّنيا ، أن يخدم الإنسان و يخدمه الإنسان الآخر ، و ليس هناك إنسان خادم بالمطلق ، و ليس هناك إنسان سيّد بالمطلق ، كلّ إنسان منّا سيّد في دائرة ، و خادم في دائرة أخرى .

نسأل الله نصر الاسلام و اهله

نسأل الله نصر العراق و شعبه

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك