لؤي الموسوي
المفهوم السائد عند البشرية حول المعجزة، لا سيما عند أهل الديانات الأخرى، إنها لا تحدث إلا على يد نبي أو وصي نبي، كرامة من الخالق لهم ولأثبات أنهم حملة رسالة السماء لهداية البشرية، لهذا تميزوا بها دون سائر الخلق..
يستغرب البعض كيف يمكن ان تحصل معجزة، ونحن نعيش القرن الحادي والعشرين على يد إنسان ليس بنبي او وصيه، مدعين إن زمن المعاجز انتهى!
المعجزة ربما تحصل ليس فقط على يد الانبياء والأوصياء، بل تجري عند اضعف عباده لنجاتهم من الهلاك، فربما لمسافرون على متن لطائرة وهي تهوي من ارتفاع لعشرات الآلاف من الامتار، دون ان يحصل ضرر لراكبيها، او لنجاة سفينة كادت ان تغرق بمن فيها، جراء العواصف التي تضرب المحيطات، وربما تحصل لأمرين هامين أولهما لبيان مكانة هذا العبد ومدى قربه بخالقه، والآخر لأثبات حجته للخلائق..
أجرى الجليل في عهدنا معجزة على يد أحد عباده الصالحين، زاهد عابد يسكن في زقاق ضيق من أزقة النجف الأشرف، متمثلةً بمُعجزة النصر التي تحققت على يد أبناء فتوى الجهاد الكفائي “الحشد الشعبي“ الذي ما لبث ملبيا نداء الوطن والعقيدة، بعد ساعات من إنطلاق فتوى الجهاد التي صدرت من مرجع التقليد السيد السيستاني “دام ظله“ التي كانت نتاج استباحة عصابات داعش التكفيرية لعدة محافطات عراقية، سفكت فيها الدماء وأستبيحت الاعراض.
تمكنت تلك الفتوى من قلب المعادلة التي كانت سائدة حينها، من إنكسار وهزيمة إلى نصر وفتحٌ مبين، وحطمت مخططات الأعداء، الذين كانوا يمنون النفس بتمزيق جسد العراق، وجعله اشلاء متناثرة..
صناعة النصر لم يكن بالآمر السهل كما يتصوره كثيرون، فهذا رئيس الولايات المتحدة في حينها، صرح بخطاب تلفزيوني حول الاحداث التي جرت، نتيجة غزو داعش الإرهابي لعدة مدت عراقية، كانت اول محط رحالها الموصل، ثم زحفت نحو المحافظات الغربية لها قائلاً: إن تحرير المناطق من قبظة داعش، تحتاج إلى ما لا يقل عن عقدين من الزمن! رغم ما تمتلكه الولايات المتحدة من إمكانيات ومعدات حربية ومعلوماتية.. جراء اعتمادهم على الآلة الحربية فحسب، ولم يكن في حساباتهم الجانب العقائدي للمقاتل، الذي يحمل هدفاً سامياً وهو النصر او الشهادة، وهذا ما تحقق على أرض الواقع.
للعقيدة الدور الكبير في صناعة النصر وبزمن قصير، وعندما نقول إن الحشّد مُعجزة النجف الأشرف، لتحريره الأراضي بفترة زمنية لم تتجاوز الثلاث سنوات، لهذا ما قدمه رجال الفتوى لا يمكن ان تدركه العقول، رغم قلة الامكانيات في المعدات العسكرية، لكنهم بالمقابل تسلحوا بالعقيدة والعزيمة الجهادية.
ضريبة النصر وكل إنسان ناجح متوقعة، فلا شك ستطاله اقلام السوء والأبواق المأجورة، محاولةً مصادرة منجزاتهم.. فتعرضوا لحملات معادية من الداخل والخارج، الغرض منها تشويه صورته من أجل أجندات خبيثة تنم عن ضغائن، لكن رغم كل ذلك ما تعرض له لم يهن، او تقل من عزيمته و اصراره وثباته، كونه مرتبط عقائدياً بمرجعية صالحة مخلصون لله والوطن..
تنكر من تنكر للحشّد ولم ينصره بكلمة، لكن بالمقابل نجد من وقف بوجه التهم، والجم تلك الافواه المآجورة، التي تطاولت على صاحب الفتوى ورجالها، بغلق الباب في تلك الوجوه، عبر تشريع قانون الحشّد الشعبي، وحث القوى السياسية على التصويت عليه بعد ان تنكر البعض عنه، فكان لسليل المرجعية السيد الحكيم الدور الريادي في ذلك، ولولا تدخله المباشر لبقيّ المأزومون يبثون سمومهم واكاذيبهم، تجاه الثلة المؤمنة التي لبت النداء، بتحقيق النصر مع اخوتهم من القوات الأمنية.
عدد حروف اللغة العربية ثمانية وعشرون حرفاً، لكن بتكوين الجُمل لا يمكن ان نحصرها بعدد رقمي، وتاريخ المرجعية ومن ارتبط بها برباط وثيق، سيرة مشرفة مُنذ إنطلاق المرجعية، بعد غيبة الإمام المعصوم الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام، وما يصدر عنها إلا ما فيه مصلحة ومنفعة للمؤمنين والإنسانية، والحشّد الذي أنبثق عن الفتوى حرر الأرض والإنسان معاً، من مجاميع إجرامية اولغت بدماء الابرياء، انجازاتهم لا يمكن حصرها في الجانب العسكري، بتحريره للأرض والدفاع عن الحرمات، إنما حمل معه رسالة محبة واخاء، واطمئنان للعالم بأسره قبل ان تكون لابناء بلدهم.. يد حملت السلاح لتحرير البلاد من العصابات التكفيرية، ويد عملت لبناء المدن وتعميرها بعد أن طالها التخريب.
https://telegram.me/buratha