عدنان علامه ||
/ عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
أتقدم من أهالي الشهداء في الذكرى الثالثة لتفجير مرفأ بيروت بأحر التعازي؛وإلى الجرحى وأهاليهم بأعز التمنيات بالشفاء الكامل، آملًا أن يتوصل التحقيق المهني الدقيق إلى الحقيقة الناصعة بدلًا من التسييس . وإليكم الوقائع التالية :-
1ـ 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2013: وصول الباخرة روسوس إلى مرفأ بيروت محمّلة بنحو 2750 طن من نترات الأمونيوم.
2- 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2013:-
-السلطات اللبنانية تحجز السفينة لعدم استيفائها شروط سلامة الملاحة البحرية.
3- 27 يونيو/حزيران 2014:-
أُفرغت السفينة نترات الأمونيوم بقرار قضائي في العنبر رقم 12 بمرفأ بيروت.
قد يستغرب البعض عن إستعمالي كلمة "تفجير" المرفأ بدلًا من "إنفجاره"؛ ولكني وصلت إلى هذا الإعتقاد نتيجة عدة أخطاء إستراتيجية فادحة في بعض الإجراءات الميدانية التي تم التخطيط لها بعناية فائقة لتفريغ حمولة الباخرة من النيترات في لبنان، والذي لم يكن على مسار رحلة الباخرة نهائيًا كما تفيد بوليصة الشحن.
وبالمناسبة لقد عملت في السبعينات ككاتب مع أحد المُخّلِصين في مرفأ بيروت؛ الأمر الذي أكسبني بعض الخبرة عن آلية العمل في تحميل وتنزيل السفن. فالباخرة روسوس غيرت وجهتها لتحميل معدات من لبنان لصالح إحدى شركات المسح الزاَلزالي. وأعطيت خلافًا للقوانين المرعية الإجراء إذنًا بالتحميل.
إن قبطان السفينة بعرف أدق التفاصيل عن سفينته وحمولتها ومقدار تحملها؛ فحمولة سفينته قد وصلت إلى الحد الأقصى الذي لا يمكن تجاوزه. ولكن الأوامر اتت لتحميل المعدات من مرفأ بيروت، فكانت "القشة التي قصمت ظهر البعير".
فالسماح بتحميل أي سفينة يخضع لرقابة مشددة بعد دراسة دقيقة للمعلومات عن الباخرة وحمولتها، ولكن مع السفينة روسوس تم تجاهل ذلك من قبل "الكشٌاف" المولج بإعطاء الإذن او عدمه. وبدأ تحميل المعدات وتحقق ما كان مخططَا له،؛ فتعالت أصوات التشققات في بدن السفينة نتيجة للحمل الزائد. وتبين لاحقًا أن هناك مستحقات مالية على الشركة المالكة للسفينة. فقدموا دعاوى مباشرة لدى قاضي العجلة فتم الحجز على السفينة وحمولتها وتعيين حارس قضائي عليها .
فبعد فحص النيترات تبين انها تصنف كمتفجرات وليس كمواد خطرة. وحسب القانون يجب ان تخضع النيترات لسلطة الجيش اللبناني. وكان يلزمه يومها إلى أكثر من مئة شاحنة لنقلها وبناء أكثر من مئة مستودع أو اكثر لتخزينها بطريقة آمنة، ولا يوجد اي جهة ستغطي تلك التكلفة العالية بعد أن تعذر نقلها وإعادتها إلى المصدر، نتيجة لقرار الحجز القضائي على نيترات الموت بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2013. فاستقرت النيت ات في العنبر رقم 12 المخصص للمواد الملتهبة والخطرة في ظروف تخزين سيئة جدًا وتهدد السلامة العامة.
وحين حصل التفجير تم التركيز في التحقيق على "إنفجار المرفأ" نتيجة الأهمال، الفساد وسوء التخزين وبدأ التوظيف السياسي في الملف بإصدار التهم إلى وزراء وسياسيين. ولم يتم نهائيا أخذ إحتمال 01 % أن يكون التفجير جرميًا ومقصودًا ليبدو كحادث عرضي. ولو تم ذلَك لتغير حتمًا مجرى التحقيق، بالرغم من وجود أدلة قطعية لتغيير مجرى التحقيق وتضليله، ولوصلنا إلى الحقيقة بعد الأسابيع الأولى للتحقيق.
فكافة تحقيقات الأدلة الجناية الأجنبية أكدت بأن المواد التي انفجرت لا تزيد عن 20% من المواد التي دخلت إلى لبنان.
وقد خلص مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف.بي.آي) بعد انفجار ميناء بيروت في العام الماضي إلى أن كمية نترات الأمونيوم التي انفجرت لم تكن أكثر 20 بالمئة فقط من حجم الشحنة الأصلية التي تم تفريغها هناك في 2013، فيما يذكي الشكوك ويزيد الشبهات حول فقد كمية كبيرة منها قبل وقوع الانفجار.
ويقدر التقرير الذي صدر في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2020 واطلعت عليه رويترز أن حوالي 552 طنا فقط من نترات الأمونيوم هي التي انفجرت في ذلك اليوم وهي كمية أقل بكثير من الشحنة الأصلية التي تزن 2754 طنا والتي وصلت على متن سفينة مستأجرة من روسيا في 2013.
وفي حادث أمني "لافت" بتوقيته بعد أربعة أشهر على انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب/ اغسطس، عُثر بتاريخ 03 كانون الثاني/ديسمبر 2020 على العقيد المتقاعد في الجمارك منير أبو رجيلي جثة داخل منزله في قرطبا قضاء جبيل (تبعد نحو 37 كيلومتراً عن العاصمة بيروت) في محافظة جبل لبنان، مصاباً بضربات على رأسه من آلة حادة. ويبقى لغز مقتله بدون حل لإنتفاء دافع السرقة لأنه لم يُفقد أي شيء من منزله حسب التقارير الأمنية؛ وهناك إحتمال ان يكون قد أدلى بمعلومات حول تفجير المرفأ نتيجة لتراكم خبراته وإتساع مروحة معارفه . ويمكن تتبع ذلك من خلال داتا إتصالاته وتحليلها باعتماد مبدأ التاريخ التراجعي.
أما إذا سار التحقيق بالمنحى الجنائي لتم طرح أسئلة مختلفة كليًا، وهي بديهية وثابتة:-
1- هل تم تهديد لبنان بصورة مباشرة أو غير مباشرة سابقًا؟
2- من هي الجهة او الجهات المستفيدة؟
3- كيف تم التفجير؟
1-1 فأدلة تهديد لبنان علنية ومتكررة، والتصريحات موجودة ومتوفرة لدى وسائل الإعلام والإنترنت: فقد وعد كل فيلتمان السفير الامريكي السابق في لبنان وبومبيو وزير خارجية أمريكا السابق لبنان "بالفقر الدائم أو الإزدهار المحتمل" . كما هدد قادة العدو الصهيوني وفي اكثر من مناسبة بإعادة لبنان إلى العصر الحجري.
1-2 تنحصر الجهات المستفيدة من تفجير المرفأ بأمريكا والعدو الصهيوني لتحويل السفن التجارية إلى مرفأ حيفا ومن ثم إلى الدول الخليجية التي اعترفت بالكيان المؤقت ولها علاقات معها. وأما أمريكا فهي تضمن بنسبة 100% تطبيق الحصار على سوريا بموجب قانون قيصر.
والسؤال الطبيعي هل لدى أمريكا والكيان القدرة على إرتكاب تلك المجزرة؟ فما علينا سوى مراجعة أحداث التاريخ في هيروشيما ونكازاكي وفييتنام والعراق وإبادة القرى الفلسطينية عن بكرة أبيها لنصل إلى نتيجة حتمية بقدرتهما الفائقة على إرتكاب ذلك التفجير وإعتبار النتائج أضرارًا جانبية لتحقيق الأهداف الإستراتيجية المرجوة.
وأما كيف حصل التفجير، فهنا تكمن براعة المحقق الجنائي وبراعة المحقق الصحفي في "الصحافة الإستقصائية" ؛ لأن كيف(HOW) هي مشتركة بين الصحافة والتحقيق الجنائي. ف "كيف" هي العنصر السادس من عناصر الخبر (5W+H) في الصحافة؛ كما هي العنصر الأساس في التحقيق الجنائي. فهي العنصر الأول في معرفة كيفية حصول التفجير.
فما حصل في 4 آب/اغسطس 2020 هو مجزرة دبرت عن سابق تصور وتصميم ونفذت على مبدأ "الجريمة الكاملة" ليبدو التفجير عرضيًا ودون ترك أي أثر أو دليل.
ونتيجة لتحليل الوقائع فإنه تم أخذ قرار تفجير المرفأ للتخلص من الكمية المتبقية من النيترات في مرفأ بيروت بعد انتفاء القدرة على إستعمالها ولطمس التحقيق في معرفة كيفية نقلها من مرفأ بيروت في عهد السلطة التي تعهدت بدعم الثوّار. فبعد الإنتصار الذي حققه الجيش اللبناني والمقاومة الإسلامية في عمليات فجر الجرود أصبح وجود النيترات خطرًا جسيمًا في كشف الفضيحة في نقل كميات كبيرة من النترات لصالح "الثوار" . واعتبر قائد الجيش العماد جوزاف عون تاريخ 30 آب/اغسطس2017 هو يوم إعلان النصر في معركة «فجر الجرود»، وفي «أمر اليوم» قال عون :«أنّ الإنجاز الباهر في مسيرة الجيش... قد طوى مرحلة أليمة من حياتنا الوطنية».
*lإن كل من خطط ووضع سيناريو تفجير المرفأ ليبدو حادثًا عرضيًا واختلقوا أحداثًا لتضليل التحقيق قد فاقوا الشيطان خبثًا ودهاءً وتضليلًا؛ وعلى الشيطان أن يدخل في صف الروضة لديهم ليتعلم أصول التضليل. والسؤال الأهم كيف حصل التفجير ليبدو عرضيًا؟ فالمخططون على علم تام بموجودات العنبر رقم 12 الخاص بالمواد الملتهبة والخطرة والمخزنة أصلًا بشكل يهدد السلامة العامة. لذا تم أخذ القرار بإفتعال حريق من خلال جهاز بعمل على الريموت كونترول شبيه بالذي يستعمل بالحفلات والأعراس لإشعال الألعاب النارية ولكن ذا مدى أكبر لكي يمتد الحريق ويصل بسرعة إلى كمية المفرقعات الكبيرة لتنفجر في كل إتجاه وقد وثقت أفلام الفيديو ذلك قبل أن يصل أحد الاسهم النارية أو أكثر إلى النيترات ليعمل عمل الصاعق فيها ويفجرها.
وأما ما حصل صبيحة يوم تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب أمام باب العنبر رقم 12، وتصوير العمال بأنهم يقومون بأعمال التلحيم هو لتضليل التحقيق فقط ؛ لأنه من غير المألوف تصوير العمال أثناء القيام بعملهم، وعدم وجود أية آلة نلحيم معهم. والأهم من ذلك هناك تعليمات صارمة والجميع يعرفها بأنه يمنع منعًا باتا حتى التدخين في العنبر رقم 12 لأنه يحتوي علي مواد ملتهبة وخطرة، فكيف بالقيام بأعمال التلحيم؟ فما هذه الصدفة المعجزة ليتحملوا سبب الحريق؟؟؟!!!
كان سيناريو الجريمة أقرب إلى الجريمة الكاملة لولا السماح بتحميل المعدات في سفينة فيها حمولة قصوى والقيام بعملية تلحيم في العنبر رقم حديدي 12 وهو منطقة محظور فيها إستعمال اي شعلة أو شرارة.
وبالتالي فإن ما حصل في الرابع من هو تفجير عن سابق تصور وتصميم من خلال عملية معقدة من ألفها إلى يائها وقد إستفاد المخططون من الإهمال والفساد المستشري في المرفأ وغيره من إدارات الدولة؛ حيث تعتبر الرشوة مكافأة. وأستفاد المخططون من قصور وتقصير بعض القضاة والذين لا يعرفون خطر وجود هذه الكميات الضخمة جدًا من المتفجرات في المرفأ، ولم يبذلوا أي جهد للتنسيق مع الجيش اللبناني في كيفية التخلص من هذه النيترات؛ كما أن قرار الحجز فد قضى على كل أمل في إعادة الحمولة إلى الشركة الموردة على حسابها.
أقترح أن يكون التحقيق جنائيًا لمعرفة تفاصيل نقل النيترات من مرفأ بيروت منذ تاريخ وصولها إلى مرفأ بيروت وكيفية تخطي كافة الحواجز الامنية في المرفأ وعلى الطرقات والحهة المسؤولة عن آلية التخزين في العنبر رقم 12 لنصل إلى الحقيقة الكاملة.
وإن غدًا لناظره قريب
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha